للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - تطلبت غرضاً يستوي الناس كلهم في استحسانه وفي طلبه فلم أجده إلا واحداً، وهو طرد الهم (١) : فلما تدبرته علمت أن الناس كلهم لم يستووا في استحسانه فقط ولا في طلبه فقط، ولكن رأيتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم هممهم وإراداتهم (٢) لا يتحركون حركة أصلاً إلا فيما يرجون به طرد الهم، ولا ينطقون بكلمة أصلاً إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم. فمن مخطئ وجه سبيله، ومن مقارب للخطأ، ومن مصيب، وهو الأقل من الناس في الأقل من أموره، والله اعلم.

[فطرد الهم] (٣) مذهب قد اتفقت الأمم كلها مذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى عالم الابتداء ويعاقبه عالم الحساب على أن لا يعتمدوا بسعيهم شيئاً سواه، وكل غرض غيره ففي الناس من لا يستحسنه، إذ في الناس من لا دين له فعلا يعمل للآخرة، وفي الناس من أهل الشر من لا يريد الخير ولا الأمن ولا الحق، وفي الناس من يؤثر (٤) الخمول بهواه وإرادته على بعد الصيت، وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه


(١) يبدو لي أن ابن قيم الجوزية لخص ما بقوله ابن حزم في هذه الفقرة دون أن يسميه فقال: (الجواب الكافي: ١٣٦) قال بعض العلماء: فكرت في سعي العقلاء فرأيت سعيهم كلهم في مطلوب واحد، وان اختلفت طرقهم في تحصيله، رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم، فهذا في الأكل والشرب، وهذا في التجارة والكسب، وهذا بالنكاح، وهذا بسماع الغناء والأصوات المطربة، وهذا في اللهو واللعب، فقلت: هذا المطلوب مطلوب العقلاء، ولكن الطرق كلها غير موصلة اليه بل لعل أكثرها إنما يؤثر إلى الاقبال على الله وحده، ومعالمته وحده، وايثار مرضاته على كل شيء، فإن سالك هذا الطريق ان فاته حظه في الدنيا فقد ظفر بالحظ العالي الذي لا فوت معه وان حصل للعبد حصل له كل شيء، وإن فاته كل شيء، وان ظفر بحظه من الدنيا ناله على أهنا الوجوه، فليس للعبد أنفع من هذا الطريق ولا أوصل منه إلى ذاته وبهجته وسعادته، وبالله التوفيق ".
(٢) قد تقرأ في ص: ومراداتهم، لاضطراب الناسخ في كتابتها.
(٣) زيادة من م، وفي ص بياض.
(٤) هذه قراءة م، وفي ص صورة " يريد ".

<<  <  ج: ص:  >  >>