للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب العقل كله والراحة كلها - من قدر انه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون. من حقق النظر وراض (١) نفسه على السكون إلى (٢) الحقائق وإن ألمتها في أول صدمة، كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه، بل مدحهم إياه إن كان بحق، وبلغه مدحهم له، أسرى ذلك فيه العجب فأفسد بذلك فضائله، وإن كان بباطل فبلغه فسر فقد صار مسروراً بالكذب، وهذا نقص شديد. وأما ذم الناس إياه، فإن كان بحق فبلغه فربما كان لك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه، وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا ناقص، وإن كان بباطل فبلغه، فصبر، اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر، وكان مع لك غانماً لأنه يأخذ حسنات من مه بالباطل فيحظى بها في دار الجزاء أحوج ما يكون إلى النجاة بأعمال لم يتعب فيها ولا تكلفها، وهذا حظ رفيه لا يزهد فيه إلا مجنون. وأما أن (٣) لم يبلغه مدح الناس إياه، فكلامهم وسكوتهم سواء. وليس كذلك ذمهم إياه لأنه غانم للأجر على كل حال بلغه ذمهم أو لم يبلغه. ولولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثناء الحسن: " ذلك عاجل بشرى المؤمن " (٤) ، لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل أكثر من رغبته في المدح بالحق. ولكن إذ جاء هذا القول فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل فإنما تجب البشرى بما في المدح لا بنفس المدح.

٩ - ليس بين الفضائل والرذائل ولا بين الطاعات والمعاصي إلا نفار النفس وأنسها فقط. فالسعيد من أنست نفسه بالفضائل والطاغات ونفرت من الرذائل والمعاصي، والشقي من أنست نفسه بالرذائل


(١) ص: وأرض.
(٢) ص: على السكوت على.
(٣) ص: أن من.
(٤) الحديث في صحيح مسلم (بر: ١٦٦) وابن ماجة (زهد: ٢٥) ومسند أحمد ٥: ١٥٦، ١٥٧، ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>