للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفاء في حال الشدة والرخاء والسعة والضيق والغضب والرضى، تغير علي أقبح تغير بعد اثني عر عاماً متصلة في غاية الصفاء، ولسبب لطيف جداً ما قدرت قط أنه يؤثر مثله في أحد من الناس، وما صلح لي بعدها، ولقد أهمني ذلك سنين كثيرة هماً شديداً] .

فلا تستعجل مع هذا سوء المعاملة فتلحق بذوي الشرارة من الناس وأهل الخب منهم. ولكن ها هنا طريق وعرة المسلك شاقة المتكلف، يحتاج سالكها إلى أن يكون أهدى من القطا وأحذر من العقعق (١) حتى يفارق الناس راحلاً إلى ربه تعالى، وهذه الطريق هي طريق الفوز في الدين والدنيا [يحرز صاحبها صفاء نيات ذوي النفوس السليمة والعقود الصحيحة، البراء من المكر والخديعة، ويحوي فضائل الأبرار وسجايا الفضلاء، ويحصل مع ذلك على سلامة الدهاة وتخلص الخبثاء ذوي النكراء والدهاء] ، وهي أن تكتم سر كل من وثق بك، وأن لا تفشي إلى من إخوانك ولا من غيرهم من سرك ما يمكنك طيه بوجه ما من الوجوه وإن كان أخص الناس بك، وان تفي لجميع من ائتمنك، ولا تأتمن أحداً على شيء من أمرك تشفق عليه إلا عن ضرورة لا بد منها، فارتد حينئذ واجتهد وعلى الله تعالى الكفاية. وابذل فضل مالك وجاهك لمن سألك أو لم يسألك ولكل من احتاج إليك وأمكنك نفعه لم يعتمدك بالرغبة. ولا تشعر نفسك انتظار مقارضة على ذلك من غير ربك عز وجل. ولا تبت إلا على أن أول من أحسنت إليه أول مضر بك وساع (٢) عليك، فإن ذوي التراكيب الخبيثة يبغضون، لشدة الحسد، كل من أحسن إليهم إذا رأوه في أعلى من أحوالهم. وعامل كل أحد في الإنس أجمل معاملة وأضمر


(١) أهدى من القطا وأحذر من العقعق، انظر الدرة الفاخرة: ٤٤١ وفي اهتداء القطا يقول الشاعر: " تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ".
(٢) ص: وتسارع.

<<  <  ج: ص:  >  >>