للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك لا تنتقض هذه الحقيقة - أعني احتلال الترايخ لحيز صغير في مؤلفات ابن حزم - حتى لو أضفنا إلى الكتب السابقة تلك الشذرات التاريخية المنسوبة إليه في المصادر وتلك النظرات التاريخية في رسائله، فهي تؤكد اهتمامه بالروايات التاريخية أكثر من انشغاله بالتأليف في التاريخ.

غير أن للتاريخ مكانة هامة في نظر ابن حزم، فهو يقف مع القائلين بأن التاريخ " علم " ذو خصائص وغايات متميزة، مثل المسعودي (١) وإخوان الصفا (٢) والخوارزمي (٣) وغيرهم (٤) ، وينفرد ابن حزم بتصوره الخاص للعلوم وموقع التاريخ بينها، فهو يرى أن العلوم سبعة عند كل أمة وهي: علم شريعتها، وعلم أخبارها، وعلم لغتها - وفيها تتميز كل أمة - ثم علم النجوم وعلم العدد وعلم الطب وعلم الفلسفة


(١) قال المسعودي في التاريخ أنه علم يستمتع به العالم والجاهل، ويستعذب موقعه الأحمق والعاقل، فكل غريبة منه تعرف، وكل أعجوبة منه تستطرف، ومكارم الأخلاق ومعاليها منه تقتبس، وآداب سياسة الملوك وغيرها منه تلتمس، يجمع لك الأول والآخر، والناقص والوافر، والبادي والحاضر، والموجود والغابر، وعليه مدار كثير من الأحكام، وبه يتزين في كل محفل ومقام (الإعلان بالتوبيخ: ١٧ ط، مصر ١٣١٧ وعلم التاريخ عند المسلمين: ٤٠٦ - ٤٠٧) .
(٢) قسم إخوان الصفا العلوم في ثلاثة أقسام كبرى يتفرع عن كل قسم عدة علوم، وتلك الأقسام هي: الرياضة والشرعية الوضعية والفلسفية الحقيقية؛ وتحت الرياضة نقع تسعة علوم يجيء علم السير والأخبار في آخرها (رسائل إخوان الصفا ١: ٢٦٦ - ٢٦٧) .
(٣) عد الخوارزمي " التاريخ " أو " الأخبار " آخر علوم العرب الستة وهي الفقه والكلام والنحو والكتاب والشعر والأخبار. (انظر مفاتيح العلوم: ٥، ٦٢) .
(٤) لا نجد تحديداً لمفهوم " التاريخ " لدى الدينوري (إذ لم يكتب مقدمة للأخبار الطوال) والطبري واليعقوبي (الذي سقطت مقدمة كتابه) من المؤرخين المشارقة الذين ظهروا قبل ابن حزم؛ كما أن الفارابي في إحصاء العلوم لا يفرد التاريخ وإنما يمكن أن يستنتج من بعض ما ورد لديه أن يدرجه ضمن العلم المدني السياسي (انظر إحصاء العلوم: ١٠٤ - ١٠٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>