للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- من دون أخذ بمعالم التغير - فأمر يوقع صاحبه في الخطأ. ولعلنا لو توقفنا غند المعالم التي عدها ابن حزم لوجدناه يجمع فيها أهم مقومات الدولة.

غير أن الاستشهاد بالتاريخ على التاريخ قد يكون ممكناً بل ضرورياً إذا كان الواقع المدروس قد بلغ منزلة القانون الطبيعي أو أصبح علامة على طبيعة إنسانية راسخة لا يلحقها التفاوت ويندر فيها الشذوذ، أي أصبح شيئاً يشبه القاعدة العامة. فمن المشاهد في الحاضر والذي دلَّ عليه البحث التاريخي معاً أن الكثرة البالغة في الأطفال ظاهرة غير متوفرة إلا في النادر، وذلك للأسباب الآتية (١) :

١) - لصعوبة تنشئة الأطفال وتربيتهم.

٢) - لوقوع حوادث الإسقاط بكثرة.

٣) - لإبطاء الحمل وتطاول المدة بين بطن وآخر.

٤) - لكثرة الموت في الأطفال.

وهذا بعينه يدلّ على أن الكثرة في الذكور لا يمكن أن تكون كثرة بالغة خارجة عن المعتاد لأن كثيراً من الولادات إناث، ومثل هذا الأمر يجعلنا نشك في الأخبار التي تنبئ بخلاف ذلك - كما هي الحال في الأعداد المذكورة في التوراة - أو نعدها شذوذاً خارجاً على القاعدة. والسبيل إلى إثبات غلبة هذه القاعدة أن نرصد ما حولنا، وأن نستقرئ الأخبار عن القضية التي نعالجها، فماذا نجد نجد أننا لو أردنا أن نعد من عاش له عشرون ولداً فصاعداً من الذكور وبلغوا الحلم لم نجدهم إلا في الندرة وفي القليل من الملوك وذوي اليسار المفرط الذين يستطيعون تزوج عدد من النساء والإماء والاعتماد على جهود الخدم والمربيات، فأما من لا يجد إلا الكفاف ولا يستطيع أن يتزوج إلا امرأة أو امرأتين فلا يكون له ذلك العدد من الأولاد.

هذا ما تدل عليه المشاهدة ومخالطة الناس. فأما البحث في تواريخ العرب والعجم وممالك النصارى والصقالبة والترك والهند والسودان فإنه يشير إلى ثلاث درجات:

(١) الحد الأعلى المعقول للكثرة: ١٤ ولداً، (٢) الحد النادر جداً: عشرون فما فوق، (٣) الحد الذي لا يقاس عليه جماعياً: ٣٠ فما فوق؛ وهذا الأخير ينطبق على أفراد بأعيانهم منهم (٢) :


(١) الفصل ١: ١٧٥ وما بعدها.
(٢) الفصل ١: ١٧٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>