للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتب إلى أبي المغيرة ابن حزمن حزم (ابن عم الفقيه) رسالة (١) يذكر فيها تقصير أهل الأندلس في تخليد أخبار علمائهم ومآثر فضلائهم وسير ملوكهم ويقول فيها: " فإن قلت إنه كان ذلك من علمائكم وألفوا كتباً لكنها لم تصل إلينا فهذه دعوى لم يصحبها تحقيق لأنه ليس بيننا وبينكم إلا روحة راكب أو دلجة قارب، لو نفث ببلدكم مصدور، لأسمع ببلدنا في القبور، فضلاً عمن في الدور والقصور، وتلقوا قوله بالقبول كما تلقوا ديوان ابن عبد ربه منكم الذي سماه ب " العقد "، على أنه يلحقه فيه بعض اللوم إذ لم يجعل فضائل بلده واسطة عقده، ومناقب ملوكه يتيمة سلكه.... ".

وقد أورد ابن بسام فصولاً من ردّ أبي المغيرة على القروي (٢) قال في بعضها: " وأنا أعلم أن عندكم لنا تواليف تطيرون بها " ويقول ابن بسام إن أبا المغيرة خرج إلى التطويل، وختم رسالته بذكر جملة من تواليف أهل الأندلس " (٣) .

واطلع ابن حزم أبو محمد على رسالة ابن الربيب بعد وفاة صاحبها فكتب رسالته هذه في الرد عليها، والأرجح أن رسالة ابن الربيب حفزته إلى أن يضع رسالة مطولة في تاريخ الفكر الأندلسي فجاءت هذه الرسالة. ويذكر ابن الأبار (٤) أن ابن حزم صنع هذه الرسالة لمحمد بن عبد الله بن أحمد الفهري، يمن الدولة، صاحب البونت (من أعمال بلنسية) وأطال الثناء عليه وعلى سلفه في الرسالة، وهذا واضح في الفقرة الثانية منها. ولا تعارض بين ما قاله ابن الأبار وقول الحميدي (٥) إنه خاطب بها صديقه أبا بكر ابن إسحاق، فالسالة قد أدت الأمرين معاً، وفي مطلعها: " أما بعد يا أخي يا أبا بكر ... "، وإنما وجهها إلى أبي بكر لأنه وجد في أحد أدراج مكتبته رسالة القروي موجهة إلى رجل أندلسي لم يعين باسمه، والخلاف بين ما يقوله ابن بسام (ثم المقري) وما يقوله ابن حزم أبو محمد واضح. ترى هل كان أبو محمد يجهل حقاً الشخص الذي أرسلت إليه الرسالة ذلك ما لا ريب فيه، فلو عرفه لم يكن له غرض في إخفاء اسمه، ولا حاجة به إلى مجانبة الصد أو إلى استعمال التقية، وتفسير هذا الخلاف أن أبا بكر محمد بن إسحاق كان يملك نسخة من رسالة القروي لم يذكر فيها عنوان الشخص الذي إليه أرسلت.


(١) أوردها المقري في النفح ٣: ١٥٦ - ١٥٨ وابن بسام ١/١: ١٣٣.
(٢) الذخيرة ١/١: ١٣٦.
(٣) المصدر نفسه: ١٣٩.
(٤) التكملة: ٣٨٨.
(٥) الجذوة: ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>