للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العطن، متنائي الأقطار، فسيح المجال.

٥ - والذي نعاه علينا الكاتب المذكور، لو كان كما ذكر، لكنا فيه شركاء لأكثر أمهات الحواضر، وجلائل البلاد، ومتسعات الأعمال، فهذه القيروان بلد المخاطب لنا، ما أذكر أني رأيت في أخبارها تأليفاً غير " المعرب عن أخبار المغرب " وحاشا تآليف محمد بن يوسف الوراق (١) ، فإنه ألف للمستنصر رحمه الله تعالى في مسالك إفريقية وممالكها ديواناً ضخماً، وفي أخبار ملوكها وحروبهم والقائمين عليهم (٢) كتباً جمة، وكذلك ألف أيضاً في أخبار تيهرت ووهران وتونس (٣) وسجلماسة ونكور والبصرة (٤) وغيرها تآليف حساناً. ومحمد هذا أندلسي الأصل والفرع، آباؤه من وادي الحجارة (٥) ومدفنه بقرطبة وهجرته إليها، وإن كانت نشأته بالقيروان.

٦ - ولا بد من إقامة الدليل على ما أشرت إليه هاهنا، إذ مرادنا أن نأتي منه بالمطلب، فيما يستأنف، إن شاء الله تعالى، وذلك أن جميع المؤرخين من أئمتنا السالفين والباقين، دون محاشاة أحد، بل قد تيقنا إجماعهم على ذلك، متفقون على أن ينسبوا الرجل إلى مكان هجرته التي استقر بها، ولم يرحل عنها رحيل ترك لسكناها إلى أن مات، فإن ذكروا الكوفيين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، صدروا بعلي وابن مسعود وحذيفة رضي الله تعالى عنهم، وإنما سكن علي الكوفة خمسة أعوام وأشهراً (٦) ، وقد بقي ٥٨ عاماً وأشهراً بمكة والمدينة شرفهما الله تعالى، وكذلك أيضاً أكثر أعمار من ذكرنا. وإن ذكروا البصريين بدأوا بعمران بن حصين، وأنس بن مالك، وهشام بن عامر، وأبي بكرة، وهؤلاء: مواليدهم وعامة زمن أكثرهم وأكثر مقامهم بالحجاز وتهامة والطائف، وجمهرة أعمارهم خلت هنالك. وإن ذكروا الشاميين نوهوا بعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ ومعاوية، والأمر في هؤلاء كالأمر فيمن قبلهم. وكذلك في المصريين: عمرو بن العاص وخارجة بن حذافة العدوي، وفي المكيين: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير (٧) ، والحكم في هؤلاء كالحكم


(١) الجذوة: ٩٠، والبغية: ٣٠٤ والوافي ٥ رقم: ٢٣٢٧.
(٢) الجذوة: والغالبين عليهم.
(٣) الجذوة: وتنس.
(٤) نكور مدينة في المغرب على ساحل البحر الأبيض، والبصرة المعنية هنا موضع ببلاد المغرب أيضاً كان على مقربة من مدينة أصيلا.
(٥) تعرف أيضاً بمدينة الفرج بينها وبين طليطلة خمسة وستون ميلاً (الروض: ٦٠٦) .
(٦) علق ابن حجر على هذا بقوله: صوابه أربعة أعوام (النفح ٣: ١٧٩) .
(٧) هذا هو النظام الذي جرى عليه ابن سعد في الطبقات، ولكن الأمر في ذلك يختلف عما يذهب إليه ابن حزم، فليس هناك من مترجم مثلاً يقول، إن علياً كوفي أو إن عمراً مصري.

<<  <  ج: ص:  >  >>