وتستعلن ثورة ابن حزم على هذا الوضع السيئ وعلى الحكام الذين يمكنون للذميين من المسلمين، ويسلمون الحصون للروم دون قتال، على تساهلهم في شؤون المسلمين والاهتمام بمصالح أنفسهم دون مصالح الرعية، ومع ذلك لا نراه ينصح بالخروج عن طاعتهم، وهو نفسه في حيرة من الامر، لانه يعتقد أن اجتماع كل من ينكر بقلبه يؤلف قوة لا تغلب فكيف لا يتم هذا والمسألة أصعب من أن يدعو فيها إلى إصلاح شامل بالقوة ولذلك تراه ينصح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالتقية لمن عجز عن ذلك، ولكنه شديد الإنكار على من يعين أولئك الظلمة أو يزين لهم أفعالهم، فإذا اضطر المرء للدخول على بعضهم لقضاء الحقوق فيلفعل، وليعظ إن وجد للوعظ مجالاً.
أما العلوم وما يجب طلبه منها فقد وضحه ابن حزم في رسالة في مراتب العلوم بإسهاب وأورد شيئاً مما قاله هنالك في هذه الرسالة بوجه الإيجاز، وخلاصة رأيه أن طلب علم القراءات والنحو واللغة فرض كفاية، وأن طلب العلم إجمالاً لابد أن يكون لوجه الله تعالى غير مخلوط بشيء من طلب الجاه والذكر في هذه الدنيا، والعلم أضعف السبل إلى كسب المال، وغيره من الطرق أقدر على كسب الدنيا لمن أرادها.
وعرج ابن حزم في آخر الرسالة على ذكر التوبة فقسمها أربعة أقسام:
١ - التوبة من ذنوب بين العبد وربه كالزنا، وشرب الخمر، وهذه تتم بالاستغفار والقلاع والندم.
٢ - التوبة من تعطيل الفرائض عمداً وتتم بالندم والإكثار من النوافل وفعل الخير. ولا قضاء لما فات عند ابن حزم في صوم أو صلاة، أما الزكاة والكفارات فليؤد ما فاته منها.
٣ - التوبة لمن امتحن بمظالم العباد وضرب أبشارهم وقذف أعراضهم وإخافتهم ظلماً وتتم بالخروج عن المال المأخوذ ظلماً ورده إلى أصحابه أو إلى ورثتهم أو إلى إمام المسلمين إن كان لهم إمام عدل.
٤ - توبة من امتحن بقتل النفس، وهو أصعب الذنوب، وتتم بان يمكن ولي المقتول من دم القاتل، أو ليلزم الجهاد وليتعرض للشهادة جهده.