للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ها هنا الجحد فهي هنا بمعنى " ما " وهذا المعنى هو أحد موضوعاتها في اللغة العربية، كما قال تعالى آمراً (١) نبيه صلى الله عليه وسلم ان يقول: {إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} (الأعراف: ١٨٨) بمعنى: ما (٢) أنا ندير وبشير لقوم يؤمنون، كما ذكر الله عز وجل عن الأنبياء انهم قالوا: {إن نحن إلا بشر مثلكم} (إبراهيم: ١١) وكما قال تعالى مخبراً عن النسوة إذ رأين يوسف عليه السلام فقلن: {إن هذا إلا ملك كريم} (يوسف: ٣١) بمعنى: ما هذا إلا ملك كريم، وكما قال تعالى: {لو أردنا ان نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين} (الأنبياء: ١٧) أي ما كنا فاعلين. فعلى هذا المعنى خاطب نبيه عليه السلام: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك، ثم قال تعالى فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك، لقد جاءك الحق من ربك بمعنى ولا أعداؤك الذين يقاتلونك من الذين أوتوا الكتاب من قبلك ما هم أيضاً في شك مما أنزلنا إليك بل هم موقنون بصحة قولك وانك نبي حق، رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شك عندهم في ان الذي جاءك الحق. ومثل هذا أيضاً قوله تعالى: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} (إبراهيم: ٤٦) تهويناً (٣) له: وكذلك قوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) ، (الزخرف: ٨١) بمعنى ما كان للرحمن ولد فأنا أول الجاهدين لا يكون له ولد. فوضح جهل هذا المعترض وضعف تمييزه، والحمد لله رب العالمين.

٢٨ - ولو ان هذا الجاهل الأنوك تدبر ما في باطلهم المبتدع وهجرهم الموضوع الذي يسمونه " توراة " إذ يقول: عن موسى عليه السلام راجع ربه إذ أراد إرساله وقال (٤) : من أنا [١٥٥و] حتى أمضي (٥) إلى فرعون، أرسل من تريد ترسل. وأغضب ربع تعالى بذلك، وان يعقوب عليه السلام صارع ربه (٦) ليلة بتمامها وهو لا يعرف من هو، فما انسلخ الصباح عرف انه الله - تعالى الله عن هذا الحمق من الكفر علواً كبراً - قالوا: فلما عرفه امسكه فقال له ربه: أطلقني، فقال له يعقوب: لا أطلقك حتى تبارك علي، فقال له ربه: كيف لا أبارك عليك وأنت كنت قوياً


(١) ص: أمر.
(٢) ص: إن.
(٣) ص: هويناً.
(٤) فقال موسى لله: من أنا حتى أذهب، إلى فرعون، وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر. (خروج ٣: ١١) .
(٥) ص: حتى أنه يمضي.
(٦) وأن يعقوب صارع ربه الخ: انظر أيضاً الفصل ١: ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>