للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس يوماً واحداً ولا اثنين ولا خمسة ولا عشرة إلا حتى تكمل أيام الشهر، حتى يخرج على مناخركم وتصيبكم التخم. فقال له (١) موسى: هؤلاء هم ستمائة [ألف] رجل وأنت تقول: أنا أعطيكم اللحوم طعماً شهراً، أترى تكثر ذبائح الغنم والبقر فيقتاتون بها، أو تجمع حيتان البحر معاً لتشبعهم [فقال السيد] : ماذا يهم السيد أترى السيد عاجزاً فالآن ترى إن تم قوله. ثم ذكروا ان الله تعالى أنزل السمانى حول العسكر فأكلوا حتى تخموا ومات كثير منهم بالتخمة، فسمي ذلك الموضع قبور الشهوات (٢) .

٥١ - قال أبو محمد: فلو تدبر هذا اللعين الجاهل كذبهم في هذا الفصل، لردعه عن أن يظن بقول الله تعالى لنبيه عليه السلام {فإن كنت [١٥٩: ب] في شك مما أنزلنا إليك} ، وليعلم ان الشك المجرد قد نسبوه إلى موسى عليه السلام في هذا الفصل، فإنه لم يثق بقول ربه ولا صدق قدرته على إطعام بني إسرائيل اللحم شهراً كاملاً، وهذا مع ما فيه من الشك المكشوف الذي لا يجوز ان يخرج له تأويل يبعده عن الشك، ففيه من السخف غير قللي، لان من رأى شق البحر، وإنزال المن (٣) المشبع لهم، فواجب عليه ان لا يستعظم إشباعهم بلحم ينزله عليهم. ولكن الكذب والتوليد لا يكون إلا هكذا ليفضح الله تعالى به أهله. والحمد لله على ما من به علينا من طهارة الإسلام، ووضوح حجته، وله الشكر على ما كفانا من دنس الكفر، وتناقض عراه.

٥٢ - وبعد هذا الفصل أيضاً في السفر الرابع ما ذكره من قول الله تعالى لموسى عليه السلام إذ ضج بنو إسرائيل من دخول الأرض المقدسة، قالوا: فقال السيد لموسى ابن عمران (٤) : " حتى متى تتناولني هذه الأمة التي لا يؤمنون بي على ما آتيتهم من العجائب التي فعلت أمامهم، سأضربهم بالوبأ حتى أمسخهم، وأجعلك مقدماً على أمة عظيمة أشد قوة من هذه "، وان موسى لم يزل يرغب إلى الله عز وجل حتى قال: قد غفرت لك كما سألتني. ففي هذا الفصل من إطلاق الكذب في الحلف على الله


(١) ص: لهم.
(٢) ص: الشهداء وفي (ع) قبروت هتأوة أي قبور الشهوة (عدد ١١: ٣٤) .
(٣) ص: وإنزال البحر المن.
(٤) وقال الرب لموسى حتى متى يهينني هذا الشعب وحتى متى لا يصدقونني بجميع الآيات التي عملت في وسطهم. إني أضربهم بالوبأ وأبيدهم وأصيرك شعباً أكبر وأعظم منهم (عدد ١٤: ١١ - ١٢) وانظر أيضاً (عدد ١٤: ٢٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>