للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرون الممدوحة (١) ، في وقت قلة العلم وكثرة الجهل، فهذا عند (٢) كل عاقل من فساد حسك ونقصان عقلك ".

قال علي: فأما قوله إننا في آخر الزمان، فنعم، وفي ذنب الدنيا والبعد عن القرون الممدوحة، وفي وقت العلم وكثرة الجهل. ولكن الله تعالى، وله الحمد، علمنا من فضله كثيراً، ويسرنا لسلوك طريق الصحابة والتابعين وأهل القرون الممدوحة، ثم من بعدهم لأئمة المسلمين وأعلام المحدثين، إذ صرف قلبك عنهم، ووفقنا لاتباعهم والتمسك بطريقتهم إذ أعماك عن ذلك، وهدانا إلى طلب السنة إذ أضلك عنها (٣) ، فله الحمد كثيراً. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: " عن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً، طوبى للغرباء (٤) ". ولله الحمد [على ما وهب] (٥) من قوة (٦) الحس وتمام التمييز؛ ومن ضعف حسك وعدم عقلك، إعراضك عن ما أمر الله به من اتباع ما أتاك به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلت على ما نهاك عنه [من] التقليد.

١١ - ثم قال: " وأما ضعف تمييزك وتحصيلك فظاهر في تناقضك. وذلك أنك تنهى غعن تقليد الصحابة فمن دونهم وتحث أتباعك على تقليدك، والتعويل على تواليفك، وتذم القول بالرأي، وأنت تفتي في دين الله عز وجل، بما لم يرد بيانه في كتاب الله، ولا على لسان رسول الله، صلى الله عليه وسلم ".

قال علي: فليعلم هذا الجاهل أنه كاذب (٧) في أكثر ما ذكر: أما نهينا عن تقليد الصحابة فمن دونهم، فأمر لا ننكره، ونحن في ذلك موافقون لجميعهم في نهيم عن ذلك بلا خلاف. أينكر هذا السائل أمراً قد صح به إجماع الأمة كلها وهلا أنكر هذا على مالك إذ لا يختلف أحد أن قوله: لا يقلد لا صاحب ولا من دونه وأما قوله إننا نحض أتباعنا على تقليدنا فقد كذب صراحاً بواحاً (٨) ، وما نحض


(١) انظر معنى مشابهاً لهذا فيما رد ابن حزم على جماعة من المالكية سألوه أسئلة تعنيف: ٩٠.
(٢) ص: غر.
(٣) ص: ضلك.
(٤) انظر تخريج هذا الحديث وشرحه في رسالة لابن رجب الحنبلي سماها " كتاب كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة " ط. مطبعة النهضة الأدبية ١٣٣٢هـ؛ وهو في صحيح مسلم والترمذي وابن ماجة ومسند أحمد ١: ١٩٤، ٣٩٨؛ ٢: ١٧٧.
(٥) زيادة يقتضيها المعنى.
(٦) من قوة: مكررة في الأصل.
(٧) ص: كاذب في كاذب في أكثر
(٨) ص: نواحاً. والصراح: الخالص، والبواح: البين. ويجوز أيضاً براحاً بمعنى جهاراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>