ولو ادعوا ذلك لكانت دعواهم كاذبة لتعريها من برهان يصدق الأبدية، والنجاة من كل مكروه، وموضع السرور السرمدي واللذات الدائمة التي لا انقطاع لها، والله اعلم بالصواب. وأيضاً فانهم في آرائهم في أديانهم يختلفون: هذا بين في كتبهم، فبعضهم يثبت حدوث العالم كسقراط وأفلاطون، وبعضهم يثبت أنه لم يزل وانه له فاعل لم يزل يخلق، وهذا قول ينسب إلى أرسطاطاليس، وبعضهم يثبت النبوة والمعاد والجزاء في المعاد، والملائكة، كأفلاطون وصاحب كليلة ودمنة من [١٤٧/أ] فلاسفة الهند، وبعضهم يقول بتناسخ الأرواح، كصاحب كتاب سندباد من فلاسفة الهند. فهم كغيرهم في الاختلاف، ولا فرق، ولا فضل.
فالعاقل الناصح لنفسه هو من اتبع من يخلصه، والمجنون هو من اتبع من لا يخلصه ولا يغني عنه شيئاً، ولا ينفعه عاجلاً ولا آجلاً، ليس في الحماقة أكثر من هذا. وإذ لا شك في هذا فهذه صفة تعم كل أحد حاشا الذي أرسله الله خالقنا تعالى إلينا، لخلاصنا في عاجلنا وآجلنا.
١٨ - واعلم أن من طلب علم الشريعة ليدرك به رياسة أو يكسب به مالاً فقد هلك، لأنه طلبه لغير ما أمره خالقه ان يطلبه، لان خالقنا - عز وجل - إنما أمرنا أن نطلب ما شرع لنا لننجو به بعد الموت من العذاب والسخط. فمن طلبه لغير ما أمره به خالقه، فقد عطاءه وبطل تعبه وحبط عمله وضل سعيه.
١٩ - واعلم أن من أخذ الشريعة عن غير ما صح عن صاحب الشريعة الذي أرسله الله تعالى بها، واتبع من لم يأمره الله تعالى باتباعه فقد خاب وخسر وبطل عمله، والذي قلنا في هذا هو الذي مضى عليه جميع أهل الحق من الذين صحبوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فمن بعدهم، جيلاً جيلاً؛ وحدث في خلال ذلك من الآراء الفاسدة ما لا يخفى على أحد حدوثه ومبدأه، وقد لاح أن كل حادث غير ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو باطل مفترى، والباطل فرض اجتنابه، وبالله التوفيق.
فهذا بيان ما سالت عنه بغاية الاختصار والبيان ونهاية البرهان، والحمد لله كثيراً، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليماً كثيراً.
كملت رسالة التوقيف على شارع النجاة باختصار الطريق،
بحمد الله تعالى وعونه وحسن توفيقه، وبالله المستعان