للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه ليس شيء من كلامه عليه السلام أولى بالقبول من بعض، بل الكل واجب قبوله، ولا تعارض في شيء منه، لأنه كله من عند الله عز وجل، قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: ٣) ، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه، قال الله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} (النساء: ٨٢) .

فصح بهذا ما قلنا من ضم ما يوجد في النصوص ضماً واحداً، وقبوله كله وإضافته بعضه إلى بعض، فنظرنا في ذلك فوجدناه عليه السلام قد ادخل في الكبائر وبنص لفظه غير الذي ذكر في الحديث الذي ذكرنا آنفاً، فمنها: قول الزور، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والكذب عليه السلام، وتعريض المرء أبويه للسب بأن يسب آباء الناس. وذكر عليه السلام الوعيد الشديد بالنار على الكفر، وعلى كفر نعمة المحسن بالحق، وعلى النياحة في المآتم، وحلق الشعور فيها، وخرق الجيوب، والنميمة، وترك التحفظ من البول، وقطيعة الرحم، وعلى الخمر، وعلى تعذيب الحيوان بغير الذكاة لأكل ما يحل أكله، أو ما أبيح أكله منها، وعلى إسبال الإزار، على سبيل البخترة، وعلى المنان بما يفعل من الخير، وعلى المنفق سلعته بالحلف الكاذب، وعلى مانع فضل مائه من الشارب، وعلى الغلول، وعلى مبايعة الأئمة للدنيا فإن أعطوا منها وفي [٢٣٧/أ] لهم وغن لم يعطوا منها لو يوف لهم، وعلى المقتطع بيمنه حق امرئ مسلم، وعلى الإمام الغاش لرعيته، وعلى من ادعى إلى غير أبيه، وعلى العبد الآبق، وعلى من غل، وعلى من ادعى ما ليس له، وعلى لاعن ما لا يستحق اللعن، وعلى بغض الأنصار، وعلى تارك الصلاة (١) ، وعلى تارك الزكاة، وعلى بغض علي. ووجدنا الوعيد الشديد في نص القرآن قد جاء على الزناة والمفسدين في الأرض بالحرابة، فصح لي أن كل ما يوعد الله به النار فهو من الكبائر (٢) . فلما صح هذا كله بنص القرىن، إذ من اجتنبها أدخله الله مدخلاً كريماً، ونص الحديث أيضاً، وجب النظر في ذلك على المؤمن المشفق من عذاب ربه تعالى ومن نار هي أحر من نار هذه بسبعين ضعفاً، ومن الوقوف بأصعب الأحوال وأشد الأهوال واعظم الكرب واكثر الضيق وأكثر العرق


(١) ص: الأنصار.
(٢) فصح لي أن كل ما يوعد الله به النار الخ: هذا رأي قال به جماعة قبل ابن حزم منهم ابن عباس وسعيد بن جبير، انظر تفسير الطبري ٨: ٢٤٦ - ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>