للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجل أن مالك بن أنس وابن القاسم يلزمان الناس بتقليدهما وهما يقران أنهما لا يعلمان أحق ما أفتيا برأيهما أم باطل وقد صح ما هو أغلظ من هذا، وهو أن مالكاً رضي الله عنه تمنى عند موته أن يضرب بكل مسألة أفتى فيها برأيه سوطاً، وهكذا كان الأئمة الفضلاء قبل زماننا هذا المدبر، رضي الله عنهم وعن الباقين، وفاء بالجميع إلى طاعته، ووالله لقد خذل الله وجل أمة تدين بشيء تمنى قائله أن يضرب بالسياط ولا يقوله.

وأما ما ذكرتم من أمر قارئ هذه العلوم إن حضر بباله عند (١) الاشتغال بها حب الرئاسة في الدنيا وطلب الظهور، وكيف إن كان معظم نيته هذا المعنى. فهذا مذهب سوء. صح عن النبي أنه قال (٢) : " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ". والحديث الصحيح الذي رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنه (٣) " يؤتى يوم القيامة برجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه الله نعمه فعرفها، قال: فما علمت فيها قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، وقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار "، والحديث الصحيح عن النبي أنه قال (٤) : " إن الله تعالى قال: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه ".

وفيما ناولني حمام بن أحمد، وأخبرني أنه أخبر به العباس بن أصبغ [٢٤٧/أ] عن محمد بن عبد الملك بن أيمن. نبا إسماعيل بن إسحاق القاضي ببغداد، نبا إسماعيل ابن أبي أويس، ثني أخي يعني أبا بكر، عن سليمان بن بلال، عن إسحاق بن يحيى ابن طلحة، عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (٥) : " من ابتغى العلم ليباهي به العلماء ويماري به السفهاء، أو ليقبل بأفئدة الناس إليه فإلى النار ". وهذه أحاديث في غاية الصحة، وأولاد كعب بن مالك ثقات كلهم، وهم ثلاثة مشهورين: عبد الله وعبد الرحمن وسعيد، فهذا أصلحكم الله وإيانا فتيا


(١) ص: هذا.
(٢) الحديث في أبي داود (علم: ١٢) ومسند أحمد ٢: ٣٣٨.
(٣) ورد في صحيح مسلم (إمارة: ١٥٢) والنسائي (جهاد: ٢٢) ومسند أحمد ٢: ٣٢٢؛ ٣: ٨١.
(٤) ورد في صحيح مسلم (زهد: ٤٦) ومسند أحمد ٣: ٤٦٦؛ ٤: ٢١٥.
(٥) من ابتغى العلم الخ: هذا الحديث راوه البيهقي، والعقيلي في الضعفاء، والحاكم في المستدرك، انظر راموز الأحاديث: ٣٩٥ والترمذي (علم: ٦) وابن ماجه (مقدمة: ٢٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>