للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عن بعض أهل الفلسفة: الأرواح أكر مقسومة، لكن على سبيل مناسبة قواها في مقر عالمها العلوي، ومجاورتها في هيئة تركيبها (١) .

وقد علمنا أن سر التمازج والتباين في المخلوقات إنما هو الاتصال والانفصال، والشكل دأب (٢) يستدعي شكله، والمثل إلى مثله ساكن، وللمجانسة عمل محسوس وتأثير مشاهد، والتنافر في الأضداد والموافقة في الأنداد والنزاع فيما تشابه موجود فيما بيننا، فكيف بالنفس وعالمها العالم الصافي الخفيف، وجوهرها الجوهر الصعاد المعتدل، وسنخها المهيأ لقبول الاتفاق والميل والتوق والانحراف والشهوة والنفار - كل ذلك معلوم بالفطرة في أحوال تصرف الإنسان فيسكن إليها (٣) ، والله عز وجل يقول {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} (الأعراف:١٨٩) فجعل علة السكون أنها منه. ولو كان علة الحب حسن الصورة الجسدية لوجب ألا يستحسن الأنقص في الصورة (٤) ،


(١) هذا القول مأخوذ من كتاب " الزهرة " ونصه هنالك " وزعم بعض المتفلسفين ان الله جل ثناؤه خلق كل روح مدورة الشكل على هيئة الكرة ثم قطعها أيضاً فجعل في كل جسد نصفاً وكل جسد لقي الجسد الذي فيه النصف الذي قطع من النصف الذي معه كان بينهما عشق للمناسبة القديمة (الزهرة ١: ١٥ وانظر محاضرات الراغب ٢: ٤٠) ؛ والفرق بين رأي ابن حزم ورأي ابن داود هو في القسمة نفسها، فبينا يذهب ابن حزم إلى أن النفوس تجزأت عدة أجزاء، يرى ابن داود أن الكرة انقسمت نصفين وحسب، كل منهما يطلب صاحبه، وفي نهاية المطاف نجد ابن حزم الذي لا يؤمن بالتكثر، يأخذ برأي ابن داود من وجهة عملية؛ لماذا رفض ابن حزم الشكل الكري للأرواح؛ هذا ما لا يقدم تفسيراً له؛ هل كان ابن حزم يرى تعدد التوق إلى ائتلاف الأقسام في مراحل مختلفة من العمر.
(٢) روضة المحبين: فالشكل إنما؛ وقضية انجذاب المثل إلى مثله (أو كما قال المتنبي وشبه الشيء منجذب إليه) موجودة في مأدبة أفلاطون ص: ٦٨، وتردد في مواضع مختلفة، انظر روضة المحبين: ٦٧.
(٣) الضمير في " إليها " مبهم، ولعل هنا سقطاً في النص؛ وربما كانت عبارة " فيسكن إليها " زائدة لا ضرورة لها لأن ما بعدها يغني عنها. أو لعلنا أن نقرأ " ليجد النفس التي هي شطر منه فيسكن إليها "؛ وقد سقطت العبارة " كل ذلك إليها " من روضة المحبين.
(٤) روضة المحبين: من الصور.

<<  <  ج: ص:  >  >>