للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستنتاج الذي وصل إليه ابن حزم إنما توصل إليه مستقلاً من كثرة تقليبه للتجارب الاستقرائية التي كان يواجه بها أصحاب المذاهب الأخرى.

وقد اتهم ابن حزم بعض معاصريه بأنه لم يفهم منطق أرسطاطاليس، فقال فيه صاعد: " وخالف أرسطاطاليس واضع هذا العلم في بعض أصوله مخالف من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتابه، فكتابه من أجل هذا كثير الغلط بين السقط " (١) ؛ ورد ابن حيان المؤرخ الأندلسي هذه التهمة حين قال: " كان أبو محمد حامل فنون من حديث وقفه وجدل ونسب، وما يتعلق بأذيال الأدب، مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله في بعض تلك الفنون كتب كثيرة لم يخل فيها من الغلط والسقط، لجرأته في التسور على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك، وضل في سلوك تلك المسالك، وخالف أرسطاطاليس واضعه، مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتبه " (٢) .

أما أنه خالف أرسطاطاليس فشيء واضح في كتابه، وأما أنه لم يفهم غرضه، فذلك هو الشيء الذي حاولنا رفضه آنفاً، فقد يختلف غرضه ابن حزم عن غرضه أرسطاطاليس في هذا، دون أن يهتم بأنه لم يفهم غرض المعلم الأول. أما إن كان ما يقوله صاعد بأن ابن حزم وقع في الخطأ بمعنى أنه أجرى اجتهادات " لا منطقية " في محاولته للتبسيط، فشيء لا يمكن الحكم عليه إلا بعد فحص دقيق للمصطلح المنطقي والتمثيلات التي جاء بها في كتابه ومقارنتها بما لدى أرسطاطاليس، فقد اعتمد ابن حزم على منطقيات لم تكن موجودة لدى أرسطاطاليس، وأباح لنفسه القيام بأمور لم يجدها للمعلم الأول، فمن ذلك:

(١) أنه صرح بأنه لا يتقيد في هذا أو ذاك من الآراء بقول الأوائل (وفيهم أرسطاطاليس نفسه) ، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، وهذا أمر يدل على استقلال في النظر، لا على أنه لم يفهم غرض أرسطاطاليس.

(٢) صدر في مفهوماته عن مقدمات دينية لم تكن لدى أرسطاطاليس، وهو شديد الشغف بالتقريب بين المنطق والشريعة، وجعل الأول في خدمة الثانية (وهذا قد


(١) طبقات الأمم: ٧٦.
(٢) الذخيرة لابن بسام ١: ١٦٧ ونص ابن حيان هذا نقله ابن سعيد في المغرب والذهبي في سير أعلام النبلاء وفي تذكرة الحفاظ وفي تاريخ الإسلام كما نقله الصفدي في الوافي بالوفيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>