للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأجساد، ولكنه لا يستطيع مواراة الذكر الخالد الذي يذهب بشماتة الحسَّاد، ويتمثَّل في السماء بصورة الكواكب وفي الأرض بصورة الأطواد".

وبعض هذا مأخوذ من قول بعض شعراء الحماسة١:

فإن تدفنوا البكريَّ لا تدفنوا اسمه ... ولا تدفنوا معروفه في القبائل٢

ومن ذلك ما ذكرته في وصف كلام بالفصاحة، وهو فصل من كتاب، فقلت:

وله البيان الذي يغضُّ من نسق الفريد، ولا يخلق نضرة لباسه الجديد، وهو فوق كلام المُجِيد ودون القرآن المَجيد، وإذا اختصروا صفته قيل: إنه يستميل سمع الطروب، ويستحق وقار القلوب، ويتمثل آيات بيضاء من غير ضمٍّ إلى الجيوب، ويرى في الأرض غير لاغبٍ إذا مسَّ غيره فترة اللغوب، ولا تزال الناس في عشق معانيه ضربًا واحدًا, والعاشقون ضروب, ولما وقفت عليه قلت: سبحان من أعطى سيدنا فلم يبخل، وخصَّه بنبوة البيان إلّا أنه لم يرسل، ولولا أن الوحي قد سدَّ بابه لقيل: هذا كتاب منَّزل، ولقد خار الله لأولي الفصاحة إذ لم يحيوا إلى عصره، ولم يبتلوا فيه بداء الحسد الذي يصليهم بتوقُّد جمره، ولئن سلموا من ذلك فما سلمت أقوالهم من أقواله التي محتها محو المداد، وقد كانت باقيةً بعدهم فلمَّا أتَى صارت كما صاروا إلى الألحاد".

وفي هذا الفصل شيء من المعاني الشعرية كقول البحتري:

مستميلٌ سمع الطروب المعنى ... عن أغاني مَعْبَدٍ وعقيد٣


١ هو أبو الشغب العبسي، قاله في خالد بن عبد الله القسري لما وقع خالد أسيرًا في يد يوسف بن عمر الثقفي.
٢ رواية ديوان الحماسة ١/ ٣٩١:
فإن تسجنوا القسريّ لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل
٣ ديوان البحتري ٢/ ١٩٥ وهو من قصيدة يمدح بها محمد بن عبد الملك الزيات، ومطلعها:
بعض هذا العتاب والتفنيد ... ليس ذم الوفاء بالمحمود
وقد ورد الشطر الثاني في رواية الديون هكذا:
عن أغاني مخارق وعقيد
ومخارق: هو مخارق بن يحيى بن ناوس الجزار، مولى الرشيد، وكان قبله لعاتكة بنت شهدة، وهي من المغنيات المحسنات المتقدمات في الضرب، ونشأ في المدينة، وقيل كان منشؤه بالكوفة، وكان أبوه جزازًا مملوكًا، وكان مخارق وهو صبي ينادي على ما يبيعه أبوه من اللحم، فلمَّا بان طيب صوته علمته مولاته طرفًا من الغناء، ثم أرادت بيعه، فاشتراه إبراهيم الموصلي منها، وأهداه إلى الفضل بن يحيى، فأخذه الرشيد، ثم أعتقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>