[النوع الأول: معرفة علم العربية من النحو والتصريف]
أمَّا علم النحو فإنه في علم البيان من المنظوم والمنثور بمنزلة أبجد في تعليم الخط, وهو أول ما ينبغي إتقان معرفته لكل أحد ينطق باللسان العربي، ليأمن معرَّة اللحن، ومع هذا فإنه وإن احتيج إليه في بعض الكلام دون بعض لضرورة الإفهام، فإن الواضع لم يخص منه شيئًا بالوضع، بل جعل الوضع عامًّا، وإلا فإذا نظرنا إلى ضرورته وأقسامه المدونة وجدنا أكثرها غير محتاج إليه في إفهام المعاني، ألا ترى أنك لو أمرت رجلًا بالقيام فقلت له:"قوم" بإثبات الواو ولم تجزم لما اختل من فهم ذلك شيء، وكذلك الشرط لو قلت:"إن تقوم أقوم" ولم تجزم لكان المعنى مفهومًا. والفضلات كلها تجري هذا المجرى، كالحال والتمييز والاستثناء، فإذا قلت:"جاء زيد راكب"، و"ما في السماء قدر راحة سحاب"، و"قام القوم إلا زيد"، فلزمت السكون في ذلك كله، ولم تبيِّن إعرابًا، لما توقف الفهم على نصب الراكب والسحاب، ولا على نصب زيد، وهكذا يقال في المجرورات، وفي المفعول فيه، والمفعول له، والمفعول معه، وفي المبتدأ والخبر، وغير ذلك من أقسام أخر لا حاجة إلى ذكرها.
لكن قد خرج عن هذه الأمثلة ما لا يفهم إلا بقيود تقيده، وإنما يقع ذلك في الذي تدل صيغته الواحدة على معانٍ مختلفة، ولنضرب لذلك مثالًا يوضحه فنقول: اعلم أن من أقسام الفاعل والمفعول ما لا يفهم إلّا بعلامة كتقديم المفعول على الفاعل, فإنه إذا لم يكن ثَمَّ علامة تبيِّن أحدهما من الآخر وإلّا أشكل الأمر٣
١ هكذا في الأصل، والظاهر يقتضي حذف "إلا" أو تقدير جواب للشرط.