وأما النوع الرابع: وهو الاطلاع على كلام المتقدمين من المنظوم والمنثور, فإن في ذلك فوائد جمة؛ لأنه يعلم منه أغراض الناس، ونتائج أفكارهم، ويعرف به مقاصد كل فريق منهم، وإلى أين ترامت به صنعته في ذلك، فإن هذه الأشياء مما تشحذ القريحة، وتُذْكِي الفطنة، وإذا كان صاحب هذه الصناعة عارفًا بها تصير المعاني التي ذكرت, وتعب في استخراجها, كالشيء الملقى بين يديه, يأخذ منه ما أراد ويترك ما أراد.
وأيضًا, فإنه إذا كان مُطَّلِعًا على المعاني المسبوق إليها قد ينقدح له من بينها معنى غريب لم يسبق إليه.
ومن المعلوم أن خواطر الناس وإن كانت متفاوتة في الجودة والرداءة, فإن بعضها لا يكون عاليًا على بعض, أو منحطًّا عنه إلّا بشيء يسير، وكثيرًا ما تتساوى القرائح والأفكار في الإتيان بالمعاني، حتى إن بعض الناس قد يأتي بمعنى موضوع بلفظ، ثم يأتي الآخر بعده بذلك المعنى واللفظ بعينهما من غير علم منه بما جاء به الأول, وهذا الذي يسميه أرباب هذه الصناعة وقوع الحافر على الحافر، وسيأتي لذلك باب مفرد في آخر كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.