وأما النوع الخامس: وهو معرفة الأحكام السلطانية من الإمامة والإمارة والقضاء والحسبة وغير ذلك، فإنما أوجبنا معرفتها والإحاطة بها لما يحتاج إليه الكاتب في تقليدات الملوك والأمراء والقضاة والمحتسبين, ومن يجري مجراهم، وأيضًا فإنه قد يحدث في الإمامة حادث في بعض الأوقات: بأن يموت الإمام القائم بأمر المسلمين، ثم يتولَّى من بعده من لم تكمل فيه شرائط الإمامة، أو يكون كامل الشرائط غير أن الإمام الذي كان قبله عهد بها إلى آخر غيره, وهو ناقص الشرائط، أو يكون قد تنازع الإمامة اثنان، أو يكون أرباب الحل والعقد قد اختاروا إمامًا وهم غير كاملي الشرائط التي تجب أن توجد فيهم، أو يكون أمر غير ما ذكرناه، فتختلف الأطراف في ذلك، وينتصب ملك من الملوك له عناية بالإمام الذي قد قام للمسلمين، فيأمر كاتبه أن يكتب كتابًا في أمره إلى الأطراف المخالفة له.
وإذا لم يكن الكاتب عند ذلك عارفًا بالحكم في هذه الحوادث واختلاف أقوال العلماء فيها، وما هو رخصة في ذلك, وما ليس برخصة، لا يكتب كتابًا ينتفع به.
ولسنا نعني بهذا القول أن يكون الكتاب مقصورًا على فقه محضٍ فقط، لأنَّا لو أردنا ذلك لما كنا نحتاج فيه إلى كتب كتاب بلاغي، بل كنَّا نقتصر على إرسال مصنَّف من مصنَّفات الفقه عوضًا عن الكتاب، وإنما قصدنا أن يكون الكتاب الذي يُكْتَبُ في هذا المعنى مشتملًا على الترغيب والترهيب، والمسامحة في موضع, والمحاقة في موضع، مشحونًا ذلك بالنَّكت الشرعية المبرزة في قوالب البلاغة والفصاحة، كما فعل الكاتب الصَّابي١ في الكتاب الذي كتبه عن عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه, إلى الإمام الطائع لمَّا خلع المطيع، فإنه من محاسن الكتب التي تكتب في هذا الفن.
١ هو أبو إسحاق بن هلال الصابي, صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع, كان كاتب الإنشاء عن الخليفة, وعن عز الدولة بختيار الديلمي، وتقلَّد ديوان الرسائل سنة ٣٤٩هـ، وكان متشددًا في دينه، وجهد عليه عز الدولة أن يسلم فلم يفعل، وكان يصوم شهر رمضان مع المسلمين، ويحفظ القرآن الكريم أحسن حفظ, وكان يستعمله في رسائله, توفي الصابيّ سنة ٣٨٤هـ ببغداد، ورثاه الشريف الرضي بقصيدة مشهورة، وعاتبه في ذلك لكونه شريفًا يرثي صابئًا، فقال: إنما رثيت فضله.