أما حلُّ آيات القرآن العزيز فليس كنثر المعاني الشعرية، لأنَّ ألفاظه ينبغي أن يحافظ عليها، لمكان فصاحتها, إلا أنه لا ينبغي أن يؤخذ لفظ الآية بجملته، فإن ذلك من باب "التضمين"، وإنما يؤخذ بعضه، فإمَّا أن يجعل أولًا لكلام أو آخرًا، على حسب ما يقتضيه موضعه، وكذلك تفعل الأخبار النبوية. على أنه قد يؤخذ معنى الآية والخبر, فيكسى لفظًا غير لفظه، وليس لذلك من الحسن ما للقسم الأول للفائدة التي أشرنا إليها.
وقد سلكت في ذلك طريقًا اخترعتها، وكنت أنا ابن عذرتها، وعند تأمّل ما أوردته منها في هذا الكتاب يظهر للمتأمِّل صحة دعاويَّ، ولئن كان من تقدَّمني أتى بشيء من ذلك, فإني ركبت ففيه جوادًا وركب جملًا، ونال من مورده نهلة واحدة, ونلت منه نهلًا وعللًا.
ومن آتاه الله في القرآن بصيرةً فإنه يسبك ألفاظه ومعانيه في كلامه، ويستغني به عن غيره، إلّا أنه ينبغي أن يكون فيه صوَّاغًا يخرج منه ضروب المصوغات، أو صرَّافًا يتجهبذ في نقوده المختلفة من الذهب المختلف الألوان، ولا أقول من الفضة، فإنه ليس فيه من الفضة شيء، وهو أعلى من ذلك، أو يكون فيه تاجرًا يديره على يده،