وأما الأخبار النبوية فكالقرآن العزيز في حلِّ معانيها.
فإن قلت: إن الأخبار النبوية لا يجري فيها الأمر مجرى القرآن، إذ القرآن له حاصرٌ وضابط، وكل آياته تدخل في الاستعمال، كما قال بعضهم: لو ضاع مني عقال لوجدته في القرآن الكريم، وأما الأخبار فليست كذلك؛ لأنها كثيرة لا تنحصر, ولو انحصرت لكان منها ما يدخل في الاستعمال ومنها ما لا يدخل، ولا بُدَّ من بيان يمكن الإحاطة به، والوقوف عنده.
قلت في الجواب عن هذا: إنك أول ما تحفظه من الأخبار هو كتاب "الشهاب"، فإنه كتاب مختصر, وجميع ما فيه يستعمل؛ لأنه يتضمَّن حكمًا وآدابًا، فإذا حفظته وتدربت باستعماله كما أريتك ههنا حصل عندك قوة على التصرف والمعرفة بما يدخل في الاستعمال وما لا يدخله، وعند ذلك تتصفح كتاب صحيح البخاري ومسلم والموطأ والترمذي وسنن أبي داود وسنن النسائي, وغيرها من كتب الحديث، وتأخذ ما يحتاج إليه، وأهل مكة أخبر بشعابها، والذي تأخذه إن أمكنك حفظه والدرس عليه فهو المراد؛ لأن ما لا تحفظه فلست منه على ثقة، وإن كان لك محفوظات كثيرة كالقرآن الكريم, ودواوين كثيرة من الشعر, وما ورد من الأمثال السائرة, وغير ذلك مما أشرنا إليه, فعليك بمداومة المطالعة للأخبار, والإكثار من استعمالها في كلامك حتى ترقم على خاطرك، فتكون إذا احتجت منها إلى شيء وجدته، وسهل عليك أن تأتي به ارتجالًا، فتأمل ما أوردته عليك, واعمل به.