وهذا النوع أيضًا كالذي قبله في أنه أحد الأركان الخمسة التي تقدمت الإشارة إليها في الفصل التاسع من مقدمة الكتاب, وينبغي لك أيها المتوشح لهذه الفضيلة أن تصرف إليه جل همتك، فإنه مهم عظيم من مهمات البلاغة.
التخلص:
أما التخلص فهو أن يأخذ مؤلف الكلام في معنى من المعاني, فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره, وجعل الأول سببا إليه, فيكون بعضه آخذا برقاب بعض، من غير أن يقطع كلامه، ويستأنف كلاما آخر، بل يكون جميع كلامه كأنما أفرغ إفراغا، وذلك مما يدل على حذق الشاعر، وقوة تصرفه، من أجل أن نطاق الكلام يضيق عليه، ويكون متبعا للوزن والقافية فلا تواتيه الألفاظ على حسب إرادته، وأما الناثر فإنه مطلق العنان يمضي حيث شاء، فلذلك يشق التخلص على الشاعر أكثر مما يشق على الناثر.
وأما الاقتضاب فإنه ضد التخلص، وذاك أن يقطع الشاعر كلامه الذي هو فيه ويستأنف كلاما آخر غيره من مديح أو هجاء أو غير ذلك، ولا يكون للثاني علاقة بالأول, وهو مذهب العرب ومن يليهم من المخضرمين.