ونتيجة هذه المقدمة بعث خلقه الكريم على عوارف أفضاله، واستهداء صنيعة جاهه التي هي أكرم من صنيعة ماله، ولا تجارة أربح من هذه التجارة، والساعي فيها شريك في الكسب بريء من الخسارة".
وأما الأخبار النبوية فيسلك بها هذا المسلك: بأن يذكر الخبر في صدر الكتاب، ثم يبني عليه, ولنذكر منها ولو مثالا واحدا، وهو توقيع كتبته لولد رجل من أصحاب السلطان, وتوفي والده ونقل ما كان باسمه إليه، فقلت: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم, فمن مات وترك مالا فلورثته, ومن ترك دينا أو كلا أو ضياعا فإلي وعلي" , وهذا خلق من الأخلاق النبوية لا مزيد على حسنه، وأساليب المكارم بأسرها موضوعة في ضمنه، ونحن نرجو أن نمشي على أثره, فنتنزل منزلة رديفه، أو نتشبه به فنبلغ مبلغ مده أو نصيفه، وقد أرانا الله ذلك في قوم صحبونا فأسعفناهم بمباغي الإنعام، وأحمدناهم صحبة الليالي والأيام، وتكلفنا أيتامهم من بعدهم حتى ودوا أن يكونوا هم الأيتام، وهذا فلان ابن فلان رحمه الله ممن كان له في خدمة الدولة قدم صدق، وأولية سبق، وحفظ كتاب المحافظة عليها, فقيل له في تلاوته اقرأ وارق".
ثم أنهيت التوقيع إلى آخره، فتأمل مفتتح هذا التوقيع, فإنه تضمن نص الخبر من غير تغيير، وقد ضمنته بعض خبر آخر من الأخبار النبوية، وهو قوله: اقرأ وارق, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها". وقد مثلت لك ههنا أمثالا يقتدى بها، فاحذ حذوها، وامض على نهجها, والله الموفق للصواب.