هذا أمر يشتمل على معنى الخصوص دون العموم، ولا يختص به إلا ذوو الأوامر المطاعة وذوو العلوم, وقد جمع الله لنا هذين الوصفين كليهما، وجعلنا من المستخلفين عليهما، فلنبدأ أولًا بحمده الذي هو سبب للمزيد، ثم لنأخذ في القيام بأمره الذي هو على كل نفس رقيب عتيد، ولا ريب أن إصلاح العباد يسري إلى الأرض حتى تزكو بطونها وتنام عيونها، ويشترك في بركات السماء ساكنها ومسكونها، والأمر بذلك حمل إن لم تتوزعه الأكف ثقل على الرقاب، وإذا انتشرت أطراف البلاد فإنها تفتقر إلى مساعدة من مستنيب ومستناب، وقد اخترنا لمدينة فلانة رجلا لم نأل في اختياره جهدا، وقدمنا فيه خيرة الله التي إذا صدقت نيتها صادفت رشدا، وهو أنت أيها الشيخ فلان، فابسط يدك بقوة إلى أخذ هذا الكتاب، وكن كحسنة من حسناتنا التي يرجح بها ميزان الثواب، وحقق نظرنا فيك فإنه من الله الذي ليس دونه حجاب".
فتأمل كيف فعلت في هذه الآية التي بنيت التقليد عليها، وهو من محاسن المبادئ والافتتاحات.
وكذلك فعلت في موضع آخر، وهو مفتتح كتاب كتبته إلى شخص كلفته السفارة إلى مخدومه في حاجة عرضت، وهو:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ١} . هذا القول تتبع آثاره، وتحمل عليه أنظاره، وأولى الناس بسيدنا من شاركه في لحمة أدبه، وإن لم يشاركه في لحمة نسبه، فإن المناقب أقارب, والمآثر أواصر:
وليس يعرف لي فضلي ولا أدبي ... إلا امرؤ كان ذا فضل وذا أدب