للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع السادس: في عطف المظهر على ضميره، والإفصاح به بعده

وهذا إنما يعمد إليه لفائدة، وهي تعظيم شأن الأمر الذي أظهر عنده الاسم المضمر أولا.

ومثال ذلك قول القائل: "ولما تلاقينا وبنو تميم أقبلوا نحونا يركضون، فرأينا منهم أسودا ثكلا تسابق الأسنة إلى الورود، ولا ترتد على أعقابها إذا ارتدت أمثالها من الأسود، وتناجد بنو تميم علينا بحملة، فلذنا بالفرار، واستبقنا إلى تولية الأدبار"، فإنه إنما قيل: "وتناجد بنو تميم" مصرحا باسمهم، ولم يقل وتناجدوا كما قيل: "أقبلوا" للدلالة على التعجب من إقدامهم عند الحملة، وثباتهم عند الصدمة، لا سيما وقد أردف ذلك بقوله: "لذنا بالفرار، واستبقنا إلى تولية الأدبار"، كأنه قال: وتناجد أولئك الفرسان المشاهير، والكماة المناكير، وحملوا علينا حملة واحدة، فولينا مدبرين منهزمين".

ومما جاء من ذلك قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} ١، ألا ترى كيف صرح باسمه في قوله: {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} ، مع إيقاعه المبتدأ في قوله: {كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ} ، وقد كان القياس أن يقول: كيف يبدئ الله الخلق، ثم ينشئ النشأة الآخرة.

والفائدة في ذلك أنه لما كانت الإعادة عندهم من الأمور العظيمة، وكان صدر الكلام واقعا معهم في الإبداء، وقررهم أن ذلك من الله، احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء، وإذا كان الله الذي لا يعجزه شيء هو الذي لا يعجزه الإبداء،


١ سورة العنكبوت: الآيتان: ١٩ و٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>