للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوجب أن لا تعجزه الإعادة، فللدلالة والتنبيه على عظم هذا الأمر الذي هو الإعادة أبرز اسمه تعالى، وأوقعه مبتدأ ثانيا.

وعلى هذا ورد قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} ١.

ألا ترى أنه قال أولا: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، فذكر مضمرا تقدم الكلام فيه، ثم عطف المظهر الذي هو له، وهو قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ، وكان العطف لو أضمر كما أضمر الأول لقيل: ثم أنزل الله سكينته عليكم، وأنزل جنودا لم تروها.

وفائدة الإظهار ههنا للمعطوف بعد إضماره أولًا التنويه بذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكر المؤمنين، أو؛ لأن الأمر عظيم، وهو الانتصار بعد الفرار، فأي الأمرين قدر كان لإظهار المعطوف مناسبًا.

وهكذا يكون عطف المظهر على ضميره، فإنه يستند إلى فائدة يهم ذكرها، فإن يكن هناك٢ مثل هذه الفائدة، وإلا فلا يحسن الإظها ر بعد الإضمار.

وكذلك جاء قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} ٣، فإنه إنما قال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، ولم يقل: وقالوا كالذي قبله للدلالة على صدور ذلك عن إنكار عظيم، وغضب شديد، وتعجب من كفرهم بليغ، لا سيما وقد انضاف إليه قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} ، وما فيه من الإشارة إلى القائلين، والمقول فيه، وما في ذلك من المبادهة، كأنه قال: وقال


١ سورة التوبة: الآيتان ٢٥ و٢٦.
٢ في الأصل "فإن لم يكن هناك"، وسياق المعنى حذف "لم" والتقدير: إن يكن هناك مثل هذه الفائدة حسن الإظهار، وإلا فلا يحسن الإظهار.
٣ سورة: سبأ الآية ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>