هو أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، الملقب ضياء الدين.
كان مولده بجزيرة ابن عمر ونشأ بها، وانتقل مع والده إلى الموصل، وبها اشتغل، وحصل العلوم، وحفظ كتاب الله الكريم، وكثيرًا من الأحاديث النبوية، وطرفًا صالحًا من النحو واللغة وعلم البيان، وشيئًا كثيرًا من الأشعار.
ولما كملت لضياء الدين المذكور الأدوات قصد جناب الملك الناصر صلاح الدين -تغمَّده الله برحمته- في شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فوصله القاضي الفاضل بخدمة صلاح الدين في جمادى الآخرة من تلك السنة، وأقام عنده إلى شوال من السنة.
ثم طلبه ولده الملك الأفضل نور الدين من والده، فخيَّره صلاح الدين بين الإقامة في خدمته، والانتقال إلى ولده، ويبقى المعلوم الذي قرره له باقيًا عليه، فاختار ولده، فمضى إليه، وكان يومئذ شابًّا، فاستوزره ولده الملك الأفضل نور الدين على المقدَّم ذكره -رحمه الله تعالى، وحسنت حاله عنده.
ولما توفي السلطان صلاح الدين، واستقلَّ ولده الملك الأفضل بمملكة دمشق، استقلَّ ضياء الدين المذكور بالوزارة، وردت أمور الناس إليه، وصار الاعتماد في جميع الأحوال عليه.
ولما أخذت دمشق من الملك الأفضل، وانتقل إلى صرخد، وكان ضياء الدين قد أساء العشرة من أهلها، فهموا بقتله، فأخرجه الحاجب محاسن بن عجم