ألا ترى أن البيت الأول لم يقم بنفسه، ولا تَمَّ معناه إلّا بالبيت الثاني؟ ومنه أيضًا قول امرئ القيس:
فقلت له لما تمطَّى بصلبه ... وأردف أعجازًا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا أنجل ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
وكذلك ورد قول الفرزدق:
وما أحدٌ من الأقوام عدوا ... عروف الأكرمين إلى التراب
بمحتفظين إن فضلتمونا ... عليهم في القديم ولا غضاب
وكذلك قول الشاعر:
لعمري لرهط المرء خير نقية ... عليه وإن عالوا به كل مركب
من الجانب الأقصى وإن كان ذا غنى ... جزيل ولم يخبرك مثل مجرب
وبهذه الحافظة الواعية يؤيد ابن الأثير قوله، جاعلًا أمامه الكتاب الكريم، وهو المثل الأعلى للبيان والبلاغة، وشعر الفحول من السابقين "كلامه يوافق الرأي الذي يجب أن يحتذى، وإن لم يذكر له من أسباب التأييد والتعليل سوى ورود أمثاله في غرر الكلام، وأما العلة الأدبية فتلتمس في مثل ما قدمناه.
ويعد ابن الأثير من أعظم نقاد العرب الذين درسوا السرقات الشعرية وفصَّلوا القول في ضروبها، ويعد المثل السائر من أعظم الكتب التي درس فيها هذا الموضوع دراسة خصبة مجدية، يرجع إليها الباحثون في هذا الموضع الذي يشتمل في كثير من أصول النقد عند العرب.
تلك بعض لمحات مما اشتمل عليه هذا الأثر النفيس الذي احتلَّ منزلته بحق بين أصول البلاغة والنقد الفني عند العرب.