ويتصرَّف في أرباحه, ويخرج من الأمتعة المجلوبة من مناسجه كل غريبة عجيبة، وكل هذا يفهمه من عرف فلزم, وحكم بما علم:
وما كل من قال القريض بشاعرٍ ... ولا كل من عانى الهوى بمتيَّم
واعلم أن المتصدي لحل معاني القرآن يحتاج إلى كثرة الدرس، فإنه كلما ديم على درسه ظهر من معانيه ما لم يظهر من قبل.
وهذا شيء جرَّبته وخبرته، فإني كنت آخذ سورة من السور وأتلوها، وكلما مرَّ بي معنى أثبته في ورقة مفردة، حتى انتهي إلى آخرها، ثم آخذ في حلِّ تلك المعاني التي أثبتها واحدًا بعد واحد، ولا أقنع بذلك حتى أعاود تلاوة تلك السورة، وأفعل ما فعلته أولًا، وكلما صقلتها التلاوة مرة بعد مرة ظهر في كل مرة من المعاني ما لم يظهر لي في المرة التي قبلها.
وسأورد في هذا الموضع سورة من السور، ثم أردفها بآيات أخرى من سور متفرقة، حتى يتبين لك أيها المتعلِّم ما فعلته فتحذو حذوه، وقد بدأت بالسورة أولًا، وهي سورة يوسف -عليه السلام- لأنها قصة مفردة برأسها، وفيها معانٍ كثيرة.
فالأول: ما ذكرته في دعاء كتاب من الكتب، وهو:
"وصل كتاب الحضرة السامية أحسن الله أثرها، وأعلى خطرها، وقضى من العلياء وطرها، وأظهر على يدها آيات المكارم وسورها، وأسجد لها كواكب السيادة وشمسها وقمرها".
وهذا أول معنى في السورة، وقد نقلته عن قصة المنام إلى الدعاء.
ثم أبرزت هذا المعنى في صورة أخرى، وهو:
"أكرم النعم ما كان فيها ذكرى للعابدين، وتقدَّمه أنِّي رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين, فهذه النعمة هي التي تأتي بتيسير العسير، وتجلو ظلمة الخطب بالصباح المنير، فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها، إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير".