للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا ورد قول الأعرج١ من أبيات الحماسة:

نحن بنو الموت إذا الموتُ نزل ... لا عار بالموت إذا حُمَّ الأجل

الموت أحلى عندنا من العسل٢

وقال أبو الطيب المتنبي:

إذا شئت حَفَّت على كل سابحٍ ... رجالٌ كأنَّ الموت في فمها شهد٣

فهاتان لفظتان هما "العسل" و"الشهد"، وكلاهما حسن مستعمل, لا يُشَكُّ في حسنه واستعماله، وقد وردت لفظة "العسل" في القرآن، دون لفظة "الشهد"، لأنها أحسن منها، ومع هذا, فإن لفظة "الشهد" وردت في بيت أبي الطيب فجاءت أحسن من لفظة "العسل" في بيت الأعرج.

وكثيرًا ما نجد أمثال ذلك في أقوال الشعراء المفلقين وغيرهم، ومن بلغاء الكتاب ومصقعي الخطباء، وتحته دقائق ورموز إذا علمت وقيس عليها أشباهها ونظائرها, كان صاحب الكلام في النظم والنثر قد انتهى إلى الغاية القصوى في اختيار الألفاظ, ووضعها في مواضعها اللائقة بها.


١ قال التبريزي: قيل الصحيح: إنها لعمرو بن يثربي، وكلاهما من شعراء الإسلام، والأعرج منسوب إلى معن طيئ، وقد أدرك الدولتين، وكان أحد الخوارج في زمن بني أمية وبني العباس.
٢ لعل ابن الأثير اختصر الشعر على هذا النحو، والشعر كما ورد في الحماسة "١/ ١١٠" على هذا الترتيب:
أنا أبو برزة إذ جد الوهل ... خلقت غير زمل ولا وكل
ذا قوة وذا شباب مقتبل ... لا جزع اليوم على قرب الأجل
الموت أحلى عندنا من العسل ... نحن بني ضبة أصحاب الجمل
نحن بنو الموت إذا الموت نزل ... ننعى ابن عفان بأسراف الأسل
ردوا علينا شيخنا ثم يجل
الوهل: الفزع، والزمل: الضعيف، والوكل: الذي يتَّكِل على غيره، والأصل: الرماح، ويجل بمعنى حسب.
٣ هكذا رواه ابن الأثير، ورواية الديوان "١/ ٣٧٤":
إذا شئت حفَّت بي على كل سابح ... رجال كأن الموت في فمها شهد
والسابح: الفرس السريع الجري، كأنه في سيره، والشهد: العسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>