للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا نظرنا إلى كتاب الله تعالى الذي هو أفصح الكلام وجدناه سهلًا سلسًا, وما تضمَّنه من الكلمات الغريبة يسير جدًّا.

هذا, وقد أنزل في زمن العرب العرباء، وألفاظه كلها من أسهل الألفاظ، وأقربها استعمالًا، وكفى به قدوةً في هذا الباب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن, وهي السبع المثاني"، يريد بذلك فاتحة الكتاب، وإذا نظرنا إلى ما اشتملت عليه من الألفاظ وجدناها سهلة قريبة المأخذ, يفهمها كل أحد حتى صبيان المكاتب وعوام السوقة، وإن لم يفهموا ما تحتها من أسرار الفصاحة والبلاغة، فإنَّ أحسن الكلام ما عرف الخاصة فضله، وفهم العامة معناه.

وهكذا فلتكن الألفاظ المستعملة في سهولة فهمها وقرب متناولها، والمقتدي بألفاظ القرآن يكتفي بها عن غيرها من جميع الألفاظ المنثورة والمنظومة.

وأمَّا ما ورد من اللفظ الوحشيّ في الأخبار النبوية فمن جملة ذلك حديث طهفة بن أبي زهير النهدي١، وذاك أنه لما قدمت وفود العرب على النبي -صلى الله عليه وسلم, قام طهفة بن أبي زهير فقال: أتيناك يا رسول الله من غوري تهامة٢ على أكوار الميس٣، ترتمي بنا العيس، نستجلب الصبير٤، ونستخلب الخبير٥، ونستعضد البرير٦، ونستخيل الرهام٧، ونستخيل الجهام٨، في أرض غائلة النطاء٩، غليظة الوطاءة، قد نشف المدهن١٠، ويبس الجعثن١١، وسقط الأملوج١٢، ومات


١ نهد إحدى قبائل اليمن.
٢ أصل الغور ما تداخل من الأرض وانهبط، وقيل: كل ما انحدر سيله مغربًا فهو الغور.
٣ الميس: شجر تتخذ منه الرحال للينة وقوته، ويطلق على الرحال نفسها.
٤ الصبير السحاب الكثيف.
٥ الخبير: العشب.
٦ استعضد الثمرة: اجتناها, والبربر: ثمر الأراك، وكانوا يأكلونه وقت الجدب لقلة الزاد.
٧ الرهام: جمع رهمة, وهي المطر الضعيف الدائم، ونستخيل: نخال ونظن.
٨ الجهام: السحاب قد أراق ماءه.
٩ النطاء: البعيد, أي: بعيدة بعدًا مهلكًا.
١٠ المدهن: مستنقع الماء، أو كل موضع حفره سيل.
١١ أصل النبات.
١٢ ورق كورق السرو لشجر بالبادية.

<<  <  ج: ص:  >  >>