للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيلهم، والمقرَّر من أزْوَادهم، ومَيْرِهم، حتى لا تنقل لهم على البلاد وطاءة, ولا يدعوهم إلى تحنّقهم وثلمهم حاجة، وأن يحوطوا السابلة بادئة وعائدة، ويُبَذرقوا١ القوافل صادرة وواردة, ويحرسوا الطريق ليلًا ونهارًا، ويتقَصَّوها رواحًا وغدوًّا، وينصبوا لأهل العبث الأرصاد، ويتكمَّنوا لهم بكل واد، ويتفرَّقوا عليهم حيث يكون التفرق لفضائهم، ومؤديًا إلى انفضاضهم، ويجتمعوا حيث يكون الاجتماع مطفئًا لجمرتهم، وصادعًا لمروتهم، ولا يخلو هذه السبيل من حماة لها، وسيَّارة فيها، يتردَّدون في جوادها، ويتعسَّفون في عواديها، حتَّى تكون الدماء محقونة، والأموال مصونة، والفتن محسومة، والغارات مأمونة، ومن حصل في أيديهم من لصٍّ خاتل، وصعلوك خارب، ومخيف لسبيل، ومنتهك لحريم، امتثل في أمره أمر أمير المؤمنين, الموافق لقول الله -عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ٢.

وأمره بوضع الرَّصد على مَنْ يجتاز في أعماله من أُبَّاق العبيد، والاحتياط عليهم وعلى ما يكون معهم، والبحث عن الأماكن التي فارقوها، والطرق التي استطرقوها, ومواليهم الذين أبقوا٣ منهم، ونشزوا عنهم، وأن يردُّوهم عليهم قهرًا، ويعيدوهم إليهم صغرًا، وأن ينشد الضالَّة ما أمكن أن تنشد، ويحفظوها على ربِّها بما جاز أن تحفظ، ويتجنَّبوا الامتطاء لظهورها، والانتفاع بأوبارها، وألبان ما يجزّ ويُحْلَبُ، وأن يعرفوا اللقطة، ويتبعوا أثرها، ويشيعوا خيرها، فإذا حضر صاحبها وعلمَ أنه مستوجبها سلمت إليه، ولم يعترض فيها عليه، والله -عز وجل- يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ٤, ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم:$"ضالَّة المؤمن حرق النار"٥.


١ يبذرقوا: البذرقة: الخفارة، فارسية معرَّبة, معناها: والمبذوق الخفير.
٢ سورة المائدة: الآية ٣٣.
٣ في الأصل "أنفوا", والصواب عن المختار ١٠٨.
٤ سورة النساء: الآية ٥٨.
٥ قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عن ضوالِّ الإبل، فنهاه عن أخذها، وحذَّره النار إن تعرض لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>