للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظالمه، والمغصوب من غاصبه، بعد الفحص والتأمُّل, والبحث والتبيُّن، حتى لا يحكم إلّا بعدل، ولا ينطق إلا بفصل, ولا يثبت يدًا إلّا فيما وجب تثبيتها فيه، ولا يقبضها إلّا عمَّا وجب قبضها عنه، وأن يُسَهِّلَ الإذن لجماعتهم، ويرفع الحجاب بينه وبينهم، ويوليهم من حصانة الكنف، ولين المنعطف، والاشتمال والعناية، والصون والرعاية، ما تتعادل به أقسامهم، وتتوازى منه أقساطهم، ولا يصل الركين منهم إلى استضامة ما تأخَّر عنه، ولا ذو السلطان إلى هضيمة من دون حلَّ دونه، وأن يدعوهم إلى أحسن العادات والخلائق، ويحضهم على أحمد المذاهب والطرائق، ويحمل عنهم كَلَّه، ويمد عليهم ظله، ولا يسومهم عسفًا، ولا يلحق بهم حيفًا، ولا يكلفهم شططًا، ولا يجشمهم مضلعًا، ولا يلثم لهم معيشة، ولا يداخلهم في جريمة١، ولا يأخذ بريئًا بسقيم، ولا حاضرًا بعديم٢، فإن الله -عز وجل- ينهى أن تزر وازرة وزر أخرى، ويرفع عن هذه الرعية ما عسى أن يكون سنَّ عليها من سُنَّةٍ ظالمة، وسلك بها من محجَّة جائرة، ويستقري آثار الولاة قبله عليها، فيما أزلفوه من خيرٍ أو شرٍّ إليها، فيقِرُّ من ذلك ما طاب وحسن، ويزيل ما خبث وقبح, فإنَّ من غرس الخير يحظى بمعسول ثمره، ومن زرع الشر يصلى بممرور ريعه، والله تعالى يقول: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} ٣.

وأمره بأن يصون مال الخراج، وأثمان الغلَّات، ووجوه الجبايات موفِّرًا، ويزيد ذلك مثمرًا، بما يستعمله من الإنصاف لأهلها، وإجرائهم على صحيح الرسوم فيها، فإنه مال الله الذي به قوة عباده، وحماية بلاده، ودرور حَلَبِه، واتصال مدَدِه، وبه يحاط الحريم، ويدفع العظيم، ويحمِّي الذمار، ويذاد الأشرار، وأن يجعل افتتاحه إياه بحسب إدراك أصنافه، وعند حضور مواقيته وأحيانه، غير مستلِّف شيئًا قبلها، ولا مؤخِّرًا لها عنها، وأن يخصَّ أهل الطاعة والسلامة بالترفيه لهم، وأهل


١ رواية المختار "ولا يداخلهم في حرفة".
٢ رواية المختار "ولا حاضرًا بغائب".
٣ سورة الأعراف: الآية ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>