الخلوق، ولولا فضله لما كان محسوبًا بشطر الإيمان، ولما جعل الله الجنة له ثمنًا وليست لغيره من الأثمان، وقد علمت أن العدوَّ هو جارك الأدنى، والذي يبلغك وتبلغه عينًا وأذنًا، ولا تكون للإسلام نعم الجار حتى تكون له بئس الجار، ولا عذر لك في ترك جهاده بنفسك ومالك إذا قامت لغيرك الأعذار، وأمير المؤمنين لا يرضى منك بأن تلقاه مكافحًا، أو تطرق أرضه مماسيًا أو مصابحًا، بل يريد أن تقصد البلاد التي في يده قصد المستنقذ لا قصد المغير، وأن تحكم فيها بحكم الله الذي قضاه على لسان سعد في بني قريظة والنضير، وعلى الخصوص البيت المقدَّس فإنه تلاد الإسلام القديم، وأخو البيت الحرام في شرف التعظيم، والذي توجَّهت إليه الوجوه من قبل بالسجود والتسليم، وقد أصبح وهو يشكو طول المدة في أسر رقبته، وأصبحت كلمة التوحيد وهي تشكو طول الوحشة في غربتها عنه وغربته، فانهض إليه نهضة توغل في قرحه، وتبدل صعب قيادة بسمحه، وإن كان له عام حديبية فأتبعه بعام فتحه، وهذه الاستزادة إنما تكون بعد سداد ما في اليد من ثغر كان مهملًا فحميت موارده، أو مستهدمًا فرفعت قواعده، ومن أهمها ما كان حاضر البحر فإنه عورة مكشوفة، وخطة مخوفة، والعدو قريب منه على بعده، وكثيرًا ما يأتيه فجأة حتى يسبق برقه برعده, فينبغي أن يرتب بهذه الثغور رابطة تكثر شجاعتها وتقل أقرانها، ويكون قتالها لِأَنْ تكون كلمة الله هي العليا لا لأن يرى مكانها، وحينئذ يصبح كلّ منها وله من الرجال أسوار، ويعلم أهله أن بناء السيف أمنع من بناء الأحجار, ومع هذا لا بُدَّ لها من أسطول يكثر عدده، ويقوي مدده, فإنه العدة التي تستعين بها على كشف الغماء، والاستكثار من سبايا العبيد والإماء، وجيشه أخو الجيش السليماني, فذاك يسير على متن الريح وهذا على متن الماء، ومن صفات خيله أنها جمعت بين العوم والمطار١، وتساوت أقدار خلقها على اختلاف مدة الأعمار، فإذا أشرعت قيل جبال متعلقة بقطع من الغيوم، وإذا نُظِرَ إلى أشكالها قيل إنها أهِلَّةٌ غير أنها تهتدي في مسيرها بالنجوم، ومثل هذه الخيل ينبغي أن يُغَالَى في جيادها، ويستكثر من قيادها، وليؤمَّر عليها أمير يلقى البحر بمثله من