للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كحلاء في برجٍ صفراء في دعجٍ ... كأنَّها فضَّة قد مسَّها ذهب١

وصدر هذا البيت مرصَّع، وعجزه خالٍ من الترصيع، وعذر الشاعر في ذلك واضح؛ لأنه مقيَّد بالوقوف مع الوزن والقافية، ألا ترى أن ذا الرمة بنى قصيدته على حرف الباء، ولو رصَّع هذا البيت الترصيع الحقيقيّ لكان يلزمه أن يأتي بألفاظه على حرفين حرفين, أحدهما الباء, أو كان يقسم البيت نصفين, ويماثل بين ألفاظ هذا النصف وهذا النصف، وذلك مما يعسر وقوعه في الشعر.

وأرباب هذه الصناعة قد قسَّموا الترصيع إلى هذين القسمين المذكورين، وهذه القسمة لا أراها صوابًا، لأنَّ حقيقة الترصيع موجودة في القسم الأول دون الثاني.

ومما جاء من هذا القسم الثاني قول الخنساء:

حامي الحقيقة محمود الخليقة مهـ ... ـدي الطريقة نفَّاعٌ وضرَّار٢

وكذلك قول الآخر٣:

سودٌ ذوائبها بيضٌ ترائبها ... محضٌ ضرائبها صيغت من الكرم


١ من قصيدة له مطلعها:
ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنَّه من كل كلي مفريَّة سرب
ورواية الديوان "دعج" موضع "برج", و"نعج" موضع "دعج".
٢ من قصيدة الخنساء في رثاء أخيها صخر التي مطلعها:
ما هاج حزنك أم بالعين عوار ... أم ذرفت أم خلت من أهلها الدار
وقد سقط البيت من ديوانها، واستدركه الأب لويس شيخو اليسوعي في كتابه "أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء" ص٨١، وقد استشهد به أبو هلال العسكري للترصيع الجيد، وأتبعه ببيت الخناء الذي يليه:
فعال سامية وراد طامية ... للمجد نامية تعنيه أسفار
وقال: هذا البيت رديء، لتبرؤ بعض ألفاظه من بعض، وانظر الصناعتين ٣٧٨.
٣ هو أبو صخر الهذلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>