للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محمد عبد الله بن سنان الخفاجي١، غير أن كتاب الموازنة أجمع أصولًا، وأجدى محصولًا، وكتاب سر الفصاحة وإن نبَّه فيه على نكتٍ منيرة, فإنه قد أكثر مما قلَّ به مقدرًا كتابه، من ذكر الأصوات والحروف والكلام عليها, ومن الكلام على اللفظة المفردة وصفاتها, مما لا حاجة إلى أكثره٢، ومن الكلام في مواضع شذَّ عنه الصواب فيها، وسيرد بيان ذلك كله في مواضع من هذا الكتاب -إن شاء الله تعالى, على أن كلا الكتابين قد أهملا من هذا العلم أبوابًا، ولربما ذكرا في بعض المواضع قشورًا, وتركا لبابًا.

وكنت عثرت على ضروب كثيرة منه٣ في غضون القرآن الكريم، ولم أجد أحدًا ممن تقدمني تعرض لذكر شيء منها، وهي إذا عُدَّتْ كانت في هذا العلم بمقدار شطره، وإذا نظر إلى فوائدها وجدت محتوية عليه بأسره، وقد أوردتها ههنا، وشفعتها بضروب أخر مدونة في الكتب المتقدمة، بعد أن حذفت منها ما حذفته، وأضفت إليها ما أضفته، وهداني الله لابتداع أشياء لم تكن من قبلي مبتدعة، ومنحني درجة الاجتهاد التي لا تكون أقوالها تابعة وإنما هي متَّبعة، وكل ذلك يظهر عند الوقوف على كتابي هذا وعلى غيره من الكتب، وقد بنيته على مقدمة ومقالتين:


١ أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي، من بني خفاجة الذين كانوا ينزلون بأعمال حلب، وكان أبوه من أشرافها، وقد أخذ العلم والأدب عن علماء عصره، ثم اتَّصل بأبي العلاء أحمد بن سليمان المعري, فأخذ عنه العلم والأدب، وكان يرى رأي الشيعة، وتولَّى بعض أعمال الدولة، حتى ثار على ولاته، ومات مسمومًا سنة ٤٦٦هـ، وكتابه "سر الفصاحة" من أنفس كتب البلاغة، سار فيه بالبلاغة والنقد سيرًا مزودجًا فيه التعريف والتحديد، وإلى جانبه النص والمثال، وإلى جانبهما الرأي في الإصابة أو سوء الاستعمال، مما يدل على تمرُّسه بفن الأدب، وتمتُّعه بالذوق المستنير، وقد طبع في مصر طبعتين جيدتين.
٢ لا عبرة بهذا النقد؛ لأن الخفاجي في كلامه على الأصوات وعلى الحروف ذكر منها ما يؤلف وما لا يؤلف، ولذلك من بعد الأثر في وقع الكلام على السمع والذوق, وتقديره عند أهل صناعة البيان ما لا يخفى، وكلام الخفاجي على اللفظة المفردة من أمتع الدراسات النقدية, وهو أصل لما كتب البلاغيون في فصاحة الكلمة وفصاحة الكلام في مقدمات كتب البلاغة, بل إن ابن الأثير نفسه قد درس الكلمة المفردة وصفاتها في هذا الكتاب، وأفاد كما أفاد غيره من تلك الدراسة المنظَّمة التي مهد سبيلها الخفاجي.
٣ الضمير في "منه" عائد إلى "علم البيان" الذي ذكر من قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>