للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يناسبها من المعاني، كما فعل النابغة١ في مدح النعمان وقد أتاه وفد من الوفود، فمات رجل منهم قبل أن يرفدهم، فلما رفدهم جعل عطاء ذلك الميت على قبره، حتى جاء أهله وأخذوه، فقال النابغة في ذلك:

حباء شقيق فوق أحجار قبره ... وما كان يحبى قبله قبر وافد

وهذا بيت من جملة أبيات، فانظر كيف فعل النابغة في هذا المعنى!.

وكذلك ورد قول أخت جساس، زوجة كليب، فإنه لما قتل جساس كليبًا اجتمع النساء إليها، وندبنه، فتحدث بعضهم إلى بعض، وقلن: هذه ليست ثاكلة، وإنما هي شامتة، فإن أخاها هو القاتل، فنم ذلك إليها، فقالت:

يا ابنة الأقوام إن شئت فلا ... تعجلي باللوم حتى تسألي

فإذا أنت تبينت الذي ... يوجب اللوم فلومي واعذلي

إن أختًا لامرئٍ ليمت على٢ ... شفقٍ منها عليه فافعلي

جل عندي فعل جساسٍ ... حسرتا عم انجلت أو تنجلي

فعل جساس على وجدي به ... قاطع ظهري ومدن أجلي

لو بعينٍ فقئت عينٌ سوى ... أختها فانفقأت لم أحفل

يا قتيلًا قوض الدهر به ... سقف بيتي جميعًا من عل


١ هو أبو أمامة زياد بن معاوية، أحد أشراف قبيلة ذبيان من القبائل المصرية، وأحد فحول شعراء الجاهلية، لقب النابغة لنبوغه في الشعر فجاءه، وهو كبير، وهو ممن تكسب بالشعر في الجاهلية، ولكنه آثر مدح الملوك، ملوك المناذرة بالحيرة والغساسنة بالشام، وكان ممن مدحهم من الأولين النعمان بن المنذر فقربه إليه، ثم وشى به عنده، وهم بقتله، ففر إلى ملوك الشام فمدحهم، ولم يطب مقامه بالشام، فعاد يستعطف النعمان بقصائد رائعة كانت سببا في عفوه عنه، وطال عمر النابغة، حتى مات قبيل الإسلام.
٢ هكذا روى صدر البيت في الأصل، والمشهور في روايته:
إن تكن أخت امرئ ليمت على

<<  <  ج: ص:  >  >>