وكل هذا توسع في العبارة، إذ لا مشاركة بين رسوم الديار، وبين فهم السؤال والجواب.
وكذلك قال أبو الطيب المتنبي في أمره الطلل بأن يكون ثالثهما لهما: أي الركب والإبل، وهذا واضح لا نزاع فيه.
فإذا قد تبين وتحقق ما أشرت إليه من هذا الموضوع، فالمجاز لا يخرج عن هذه الأقسام الثلاثة: إما توسع، أو تشبيه، أو استعارة، وإذا حققنا النظر في الاستعارة والتشبيه، وجدناهما أمرًا قياسيًا في حمل فرع على أصل لمناسبة بينهما، وإن كانا يفترقان بحدهما وحقيقتهما.
حد الاستعارة:
فأما حد الاستعارة فقيل: إنه نقل المعنى من لفظ إلى لفظ بسبب مشاركة بينهما، وهذا الحد فاسد؛ لأن التشبيه يشارك الاستعارة فيه.
ألا ترى أنا إذا قلنا:"زيد أسد" أي كأنه أسد، وهذا نقل المعنى من لفظ إلى لفظ بسبب مشاركة بينهما؛ لأنا نقلنا حقيقة الأسد إلى زيد فصار مجازًا، وإنما نقلناه لمشاركة بين زيد، وبين الأسد في وصف الشجاعة.
والذي عندي من ذلك أن يقال: حد الاستعارة نقل المعنى من لفظ إلى لفظ المشاركة بينهما، مع طي ذكر المنقول إليه؛ لأنه إذا احترز فيه هذا الاحتراز اختص الاستعارة، وكان حدًا لها دون التشبيه، وطريقة أنك تريد تشبيه الشيء بالشيء مظهرًا، ومضمرًا وتجيء إلى المشبه فتعيره اسم المشبه به، وتجريه عليه مثال ذلك أن تقول: رأيت أسدًا، وهذا كالبيت الشعر المقدم ذكره، وهو:
فرعاء إن نهضت لحاجتها ... عجل القضيب وأبطأ الدعص
فإن هذا الشاعر أراد تشبيه القد بالقضيب، والردف بالدعص الذي هو كثيب الرمل؛ فترك ذكر التشبيه مظهرًا ومضمرًا؛ وجاء إلى المشبه -وهو القد "والردف"- فأعاره المشبه به؛ وهو القضيب والدعص، وأجراه عليه.