فإنه إنما قال:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، ولم يقل: فآمنوا بالله وبي، عطفًا على قوله:{إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} ؛ لكي تجري عليه الصفات التي أجريت عليه، وليعلم أن الذي وجب الإيمان به، والاتباع له هو هذا الشخص الموصوف بأنه النبي الأمي الذي يؤمن بالله، وبكلماته كائنا من كان أنا أو غيري، إظهارًا للنصفة، وبعدا من التعصب لنفسه، فقدر أولًا في صدر الآية أنه رسول الله إلى الناس، ثم أخرج كلامه من الخطاب إلى معرض الغيبة لغرضين.
الأول منهما: إجراء تلك الصفات عليه.
والثاني: الخروج من تهمة التعصب لنفسه.
القسم الثاني: في الرجوع عن الفعل المستقبل إلى فعل الأمر، وعن الفعل الماضي إلى فعل الأمر
وهذا القسم كالذي قبله في أنه ليس الانتقال فيه من صيغة إلى صيغة طلبا للتوسع في أساليب الكلام فقط، بل لأمر وراء ذلك، وإنما يقصد إليه تعظيما لحال من أجري عليه الفعل المستقبل، وتفخيما لأمره، وبالضد من ذلك فيمن أجري عليه فعل الأمر.
فإنه إنما قال:{أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا} ، ولم يقل: "وأشهدكم ليكون موازنا له وبمعناه؛ لأن إشهاده الله على البراءة من الشرك صحيح ثابت، وأما إشهادهم فما هو إلا تهاون بهم، ودلالة على قلة المبالاة بأمرهم، ولذلك عدل به لفظ الأول