للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام، ألا ترى أن من أسماء النار السعير ولظى وجهنم، ولو وضع بعض هذه الأسماء مكان الجحيم لما كان له من الطلاوة والحسن ما للجحيم، والمقصود بذكر الجحيم إنما هو النار، أي صلوه بالنار، وهكذا يقال في: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} ١.

فإنه لم يقدم السلسلة على السلك للاختصاص، وإنما قدم لمكان نظم الكلام، ولا شك أن هذا النظم أحسن من أن لو قيل: ثم اسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا، والكلام على هذا كالكلام على الذي قبله.

وله في القرآن نظائر كثيرة، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} ٢.

فقوله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ، ليس تقديم المفعول فيه على الفعل من باب الاختصاص، وإنما هو من باب مراعاة نظم الكلام، فإنه قال: {اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} ، ثم قال: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي} ، فاقتضى حسن النظم أن يقول: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ} ؛ ليكون الجميع على نسق واحد في النظم، ولو قال: وقدرنا القمر منازل لما كان بتلك الصورة في الحسن.

وعليه ورد قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} ٦.

وإنما قدم المفعول لمكان حسن النظم السجعي.

وأما تقديم خبر المبتدأ عليه فقد تقدمت صورته، كقولك: "زيد قائم"، "وقائم زيد".

فمما ورد منه في القرآن قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} ٤.


١ سورة الحاقة: الآية ٣٢.
٢ سورة يس: الآيات ٣٧ و٣٨ و٣٩.
٣ سورة الضحا: الآيتان ٩ و١٠.
٤ سورة الحشر: الآية ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>