للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديبية، ثم سار إليها في عمرة القضاء، ثم سار إليها عام الفتح ففتحها.

وقد سألني بعض الإخوان أن أنشئ في ذلك كتابًا إلى ديوان الخلافة معارضًا للكتاب الذي أنشأه عبد الرحيم بن علي -رحمه الله، فأجبته إلى سؤاله، وعددت مساعي صلاح الدين يوسف بن أيوب -رحمه الله- فقلت: "ومن جملتها ما فعله الخادم في الدولة المصرية, وقد قام بها منبر وسرير, وقالت: منَّا أمير ومنكم أمير، فردَّ الدعوة العباسية إلى معادها, وأذكر المنابر ما نسيته بها من زَهْوِ أعوادها، وكانت أخرجت منها إخراج النبي -صلى الله عليه وسلم- من قريته، وقذف الشيطان على حقها بباطله, وعلى صدقها بغويته، ثم طوتها الليالي طي السجل١ للكتاب، وكثر عليها مرور الدهر حتى نسي لها عدد السنين والحساب، ولم يعدها إلى وطنها حتى تغرَّبت الأرواح عن أوطانها، وسهرت لها أجفان السيوف سهر العيون عن أجفانها، وتطاردت الآراء في تسهيل أمرها قبل مطاردة أقرانها، وحتى تقدمتها غربات٣ ثلاث كلها ذوات غروب٤، وكل خطب من خطوبها ذو خطوب، إلى أن تمخَّض ليلها عن صبحه، وأصبحت في الإسلام كعام حديبيته, وعمرة قضائه, وعام فتحه، وفي ذكر أخبارها ما يطبع الأسنة في رءوس الأقلام٥، ويرهب سامعها، ولم ينله شيء من مكروهها سوى الكلام، ويومها للدولة هو اليوم الذي أرَّخ فيه معاد نصرها، وميعاد بشرها، فإذا عدت لياليها السالفة كانت كسائر الليالي, وهذه ليلة قدرها".

فهذا فصل من فصول الكتاب، فانظر كيف ماثلت بين الفتح المصري وفتح مكة? وذكرت أيضًا حديث الحباب بن المنذر الأنصاري حيث قال بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم: منا أمير ومنكم أمير، وذلك لما حضر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنهم- في سقيفة بني ساعدة، والقصة مشهورة، فقال الحباب بن


١ السجل: الكاتب.
٢ أجفان السيوف: أغمادها, والأجفان: أغطية العيون من أعلى وأسفل.
٣ غربات ثلاث: ثلاث سفرات ورحلات.
٤ غروب: جمع غرب, والمراد هنا حد السيف، أي: إن المرات الثلاث، فيها قتال.
٥ المراد من طبع الأسنة في رءوس الأقلام أنَّ الأقلام التي تذكر أخبار هذا الفتح تصوِّر معارك رهيبة فكأنَّ في رءوس الأقلام أسنة رماح.

<<  <  ج: ص:  >  >>