للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} ١.

فإنه إنما قدم الإناث على الذكور من تقدمهم عليهن؛ لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى، وكفران الإنسان بنسيانه للرحمة السابقة عنده، ثم عقب ذلك بذكر ملكه، ومشيئته وذكر قسمة الأولاد، فقدم الإناث؛ لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاؤه الإنسان، فكان ذكر الإناث اللاتي هن من جملة ما لا يشاؤه الإنسان، ولا يختاره أهم، والأهم واجب التقديم، وليلي الجنس الذي كانت العرب تعده بلاء ذكر البلاء.

ولما أخر ذكر الذكور، وهم أحقاء بالتقديم، تدارك ذلك بتعريفه إياهم؛ لأن التعريف تنويه بالذكر، كأنه قال: يهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير، وعرف أن تقديم الإناث لم يكن لتقدمهن، ولكن لمقتض آخر، فقال: "ذكرانا وإناثا"، وهذه دقائق لطيفة قل من ينتبه لها، أو يعثر على رموزها.

ومن هذا الباب قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} ٢.

فإنه إنما قدم الأرض في الذكر على السماء ومن حقها التأخير؛ لأنه لما ذكر شهادته على شئون أهل الأرض وأحوالهم، ووصل ذلك بقوله: {وَمَا يَعْزُبُ} لاءم بينهما، ليلي المعنى المعنى.

فإن قيل: قد جاء تقديم الأرض على السماء في الذكر في مواضع كثيرة من القرآن!!

قلنا: إذا جاءت مقدمة في الذكر، فلا بد لتقديمها من سبب اقتضاه، وإن خفي ذلك السبب، وقد يستنبطه بعض العلماء دون بعض!


١ سورة الشورة: الآيات ٤٨ و٤٩ و٥٠.
٢ سورة يونس: الآية ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>