للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} ، فلما كان بين تقديره في البطن وإخراجه منه مدة متراخية عطف ذلك بثم، وهذا خلاف قصة مريم -عليها السلام- فإنها عطفت بالفاء، وقد اختلف الناس في مدة حملها، فقيل: إنه كان كحمل غيرها من النساء، وقيل: لا، بل كان مدة ثلاثة أيام، وقيل: أقل، وقيل: أكثر.

وهذه الآية مزيلة للخلاف؛ لأنها دلت صريحا على أن الحمل والوضع كانا متقاربين على الفور من غير مهلة، وربما كان ذلك في يوم واحد أو أقل، أخذا بما دلت عليه الآية.

ومما ورد من هذا الأسلوب قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} ١.

ففي الآية المتقدم ذكرها قال: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} ، فعطف التقدير على الخلق بالفاء؛ لأنه تابع له، ولم يذكر تفاصيل حال المخلوق، وفي الآية ذكر تفاصيل حاله في تنقله، فبدأ بالخلق الأول، وهو خلق آدم من طين، ولما عطف عليه الخلق الثاني -الذي هو خلق النسل- عطفه بثم، لما بينهما التراخي، وحيث صار إلى التقدير الذي يتبع بعضه بعضا من غير تراخ عطفه بالفاء، ولما انتهى إلى جعله ذكرا، أو أنثى وهو آخر الخلق عطفه بثم.

فإن قيل: إنه قد عطف المضغة على العلقة في هذه الآية بالفاء، وفي أخرى بثم، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} ٢.

فالجواب عن ذلك٣.


١ سورة المؤمنون: الآيات ١٢ و١٣ و١٤.
٢ سورة الحج: الآية ٥.
٣ لم يذكر هذا الجواب في أصول الكتاب التي بين أيدينا، ولا فيما طبع منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>