للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أنه قال: "إن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن"، وإذا نظرنا في الأقسام الستة، وجدنا سورة الإخلاص بمنزلة ثلث القرآن.

وكذلك قال -صلى الله عليه وسلم: "آية الكرسي سيدة آي القرآن".

ويروى أنه سأل أبي بن كعب١ -رضي الله عنه- فقال: "أي آية معك في كتاب الله أعظم" ? فقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ٢، فضرب على صدره، وقال: "ليهنك العلم أبا المنذر"، وكل هذا يرجع إلى المعاني لا إلى الألفاظ، فاعرف ذلك وبينه لرموزه وأسراره.

واعلم أن جماعة من مدعي علم البيان ذهبوا إلى أن الكلام ينقسم قسمين: فمنه ما يحسن فيه الإيجاز، كالأشعار والمكاتبات.

ومنه ما يحسن فيه التطويل كالخطب والتقليدات، وكتب الفتوح التي تقرأ في ملأ من عوام الناس، فإن الكلام إذا طال في مثل ذلك أثر عندهم وأفهمهم، ولو اقتصر فيه على الإيجاز، والإشارة لم يقع لأكثرهم، حتى يقال في ذكر الحرب: "التقى الجمعان، وتطاعن الفريقان، واشتد القتال...." وحمي النضال، وما جرى هذا المجرى.

والمذهب عندي في ذلك ما أذكره، وهو أن يفهم العامة ليس شرطا معتبرًا في اختيار الكلام؛ لأنه لو كان شرطا لوجب على قياسه أن يستعمل في الكلام الألفاظ العامية المبتذلة عندهم، ليكون ذلك أقرب إلى فهمهم؛ لأن العلة في اختيار تطويل الكلام إذا كانت فهم العامة إياه، فكذلك تجعل تلك العلة بعينها في اختيار المبتذل من الكلام، فإنه لا خلاف في أن العامة إلى فهمه أقرب من فهم ما يقل ابتذالهم إياه، وهذا شيء مدفوع.


١ هو أبي بن كعب بن قيس، أبو المنذر الأنصاري المدني، سيد القراء، وأقرأ هذه الأمة، قرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم، وقرأ على النبي بعض القرآن للإرشاد والتعليم، وقرأ عليه من الصحابة ابن عباس، وأبو هريرة، ومن التابعين عبد الله بن عياش، وأبو عبد الرحمن السلمي، توفي سنة ثلاث وثلاثين.
٢ سورة البقرة: الآية ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>