للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: يرد على حد النفي والإثبات، كقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} ١، تقديره: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن أنفق من بعده وقاتل، ويدل على المحذوف قوله: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} .

الوجه الثالث: أن يرد على غير هذين الوجهين، فلا يكون استفهاما، ولا نفيا وإثباتا، وذلك كقول أبي تمام٢:

يتجنب الآثام ثم يخافها ... فكأنما حسناته آثام

وهذا البيت تختلف نسخ ديوانه في إثباته، فمنها ما يجيء فيه:

يتجنب الأيام خيفة غيها ... فكأنما حسناته آثام

وليس بشيء؛ لأن المعنى لا يصحُّ به.

وكنت سئلت عن معناه، وقيل: كيف ينطبق عجز البيت على صدره، وإذا تجنبت الآثام وخافها، فكيف تكون حسناته آثاما? ففكرت فيه، وأنعمت نظري، فسنح لي في القرآن الكريم آية مثله، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} ٣، وفي صدر البيت إضمار فسر في عجزه، وتقديره أنه يتجنب الآثام، فيكون قد أتى بحسنة، ثم يخاف تلك الحسنة، فكأنما حسناته آثام، وهو على طباق الآية سواء.

ومن الإضمار على شريطة التفسير قال أبي النواس:

سُنة العشاق واحدة ... فإذا أحببت فاستكن

فحذف لفظ الاستكانة من الأول، وذكره في الثاني: أي سنة العشاق واحدة، وهي الاستكانة، فإذا أحببت فاستكن، ومن الناس من يقول: "فإذا أحببت فاستنن"، وهذا لا معنى له؛ لأنه إذا لم يبين سنة العشاق ما هي، فبأي شيء يستن المسنن منها، لكنه ذكر السنة في صدر البيت من غير بيان، ثم بينها في عجزه.


١ سورة الحديد: الآية ١٠.
٢ ديوان أبي تمام ٢٨٠ من قصيدة له مدح المأمون مطلعها:
دمن ألم بها فقال سلام ... كم حل عقدة صبره الإلمام
٣ سورة "المؤمنون": الآية ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>