للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَّامٍ أُخَرَ} ١ تقدير ذلك: فأفطر فعدة من أيام أخر، ولهذا ذهب داود الظاهري٢ إلى الأخذ بظاهر الآية، ولم ينظر إلى حذف الشرط، فأوجب القضاء على المريض والمسافر، سواء أفطر أم لم يفطر.

ومن حذف الشرط قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ٣.

اعلم أن هذه الفاء التي في قول الشاعر:

فقد جئنا خراسانا٤

وحقيقتها أنها في جواب شرط محذوف يدل عليه الكلام، كأنه قال: إن صح ما قلتم: إن خراسان أقصى ما يراد بنا، فقد جئنا خراسان، وآن لنا أن نخلص.

وكذلك هذه الآية، يقول: إن كنتم منكرين للبعث، فهذا يوم البعث، أي: قد تبين بطلان قولكم.

أما حذف جواب الشرط، فكقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ٥، فإن جواب الشرط ههنا محذوف، تقديره: إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟، ويدل على المحذوف قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .


١ سورة البقرة: الآية ١٨٤، وفي الأصل "ومن كان منكم ... " بالواو بدل الفاء، وليس كذلك في هذه الآية، وإنما وردت بالواو في الآية التالية "١٨٥" في قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا ... } .
٢ هو أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني، المعروف بالظاهري، كان اهدا كثير الورع، وكان من أكثر الناس تعصبا للإمام الشافعي -رضي الله عنه، وصنف في فضائله، والثناء عليه كتابين، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية، وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد، وكان مولده بالكوفة سنة اثنين ومائتين، ونشأ ببغداد؛ وتوفي بها سنة سبعين ومائتين في ذي القعدة.
٣ سورة الروم: الآيتان ٥٥ و٥٦.
٤ جزء من بيت، وهو بتمامه:
قالوا: خراستان أقصى ما يراد بنا ... ثم القفول، فقد جئنا خراسانا
٥ سورة الأحقاف: الآية ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>