للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يجري على هذا النهج قوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ١.

فجواب "لو" في هذا الموضع محذوف، كما حذف في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} ٢.

أي: لو أن لي بكم قوة لدفعتكم، أو منعتكم، أو ما أشبهه، وكذلك قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} لكان هذا القرآن.

وهذا الضرب من المحذوفات أظهر الضروب المذكورة، وأوضحها، لعلم المخاطب به؛ لأن قوله تعالى -حكاية عن لوط عليه السلام: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} يتسارع الفهم فيه إلى أن الكلام يحتاج إلى جواب.

ومما جاء منه شعرا قول أبي تمام في قصيدته البائية٣، التي يمدح بها المعتصم عند فتحه مدينة عمورية٤:

لو يعلم الكفر كم من أعصر كمنت ... له المراقب بين السمر والقضب٥

فإن هذا محذوف الجواب، تقديره: لو يعلم الكفر ذلك لأخذ أهبة الحذار، أو غير ذلك.

واعلم أن حذف هذا الجواب لا يسوغ في أي موضع كان من الكلام، وإنما يحذف ما دل عليه مكان المحذوف.

ألا ترى أنه قد ورد في القرآن الكريم غير محذوف، كقوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ


١ سورة هود: الآية ٨٠.
٢ سورة الرعد: الآية ٣١.
٣ من قصيدته التي أولها:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
٤ عمورية -بفتح أوله وتشديد ثانيه- ببلاد الروم، غزاه المعتصم ففتحه، وكان من أعظم فتوح الإسلام.
٥ رواية الديوان "كمنت له المنية"، وفي بعض الروايات "لم يعلم" مكان "لو يعلم"، و"خبأت" موضع "كمنت" والسمر الرماح، والقضب السيوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>