للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ، وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} ١.

فقوله: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} من جوامع الكلم التي يستدل على قلتها بالمعاني الكثيرة، أي غشيهم من الأمور الهائلة، والخطوب الفادحة ما لا يعلم كنهه إلا الله، ولا يحيط به غيره.

ومن هذا الضرب قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ٢.

فجمع في الآية جميع مكارم الأخلاق؛ لأن في الأمر بالمعروف صلة الرحم، ومنع اللسان عن الغيبة وعن الكذب، وغض الطرف عن المحرمات، وغير ذلك، وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والحلم، وغيرهما.

وقال بعض الأعراب في دعائه: "اللهم هب لي حقك، وأرض عني خلقك"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "هذا هو البلاغة".

ومن ذلك قوله عز وجل: {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} ٣.

فإنه دخل تحت الأمن جميع المحبوبات، وذلك أنه نفى به أن يخافوا شيئا من الفقر، والموت وزوال النعمة، ونزول النقمة، وغير ذلك من أصناف المكاره.

وأشباه هذا في القرآن الكريم كثيرة، فهو يكثر في بعض الصور، ويقل في بعض، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "من شاء يرتع في الرياض الأنائق فعليه بآل حم".

ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان"، وذاك أن رجلا اشترى عبدا، فأقام عنده مدة، ثم وجد به عيبا، فخاصم البائع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه، فقال: يا رسول الله إنه استغل غلامي، فقال: "الخراج بالضمان"، ومعنى قوله: "الخراج بالضمان" أن الرجل إذا اشترى عبدا فاستغله، ثم وجد به عيبا دلسه عليه البائع فله أن يرده، ويسترجع الثمن جميعه،


١ سورة طه: الآيات ٧٧ و٧٨ و٧٩.
٢ سورة الأعراف: الآية ١٩٩.
٣ سورة الأنعام: الآية ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>