للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} ١ فقوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} قد يكون بشارة بنبوته بعد البشارة بميلاده، وقد يكون استئنافًا بذكره بعد ذكر إسماعيل -عليه السلام- وذبحه، والتأويل متجاذب بين هذين الأمرين، ولا دليل على الاختصاص بأحدهما، ولم يرد في القرآن ما يدل على أن الذبيح إسماعيل ولا إسحاق -عليهما السلام، وكذلك لم يرد في الأخبار التي صحَّت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: وأمَّا ما يروى عنه أنه قال: "أنا ابن الذبيحين" فخارج عن الأخبار الصحيحة، وفي التوراة أن إسحاق -عليه السلام- هو الذبيح.

ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه: "أطولكن يدًا، أسرعكن لحوقًا بي" فلمَّا مات -صلوات الله عليه- جعلن يطاولن بين أيديهن حتى ينظرن أيتهن أطول يدًا، ثم كانت زينب أسرعهن لحوقًا به، وكانت كثيرة الصدقة، فعلمن حينئذ أنه لم يرد الجارحة، وإنما أراد الصدقة، فهذا القول يدل على المعنيين المشار إليهما.

ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنهما- أنه قال: خدمت رسول الله عشر سنين، فلم يقل لشيءٍ فعلته لم فعلته, ولا لشيءٍ لم أفعله لم لا فعلته، وهذا القول يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على خلق من يصحبه، والآخر أنه وصف نفسه بالفطنة والذكاء فيما يقصده من الأعمال، كأنه متفطِّن لما في نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فيفعله من غير حاجة إلى استئذانه.

ومن ذلك ما ورد في الأدعية النبوية، فإنه -صلى الله عليه وسلم- دعا على رجل من المشركين فقال: "اللهم اقطع أثره" , وهذا يحتمل ثلاثة أوجه من التأويل, الأول: أنه دعا عليه بالزمانة٢، لأنه إذا زمن لا يستطيع أن يمشي على الأرض، فينقطع حينئذ أثره، الوجه الثاني: أنه دعا عليه بأن لا يكون له نسل من بعده ولا عقب. الوجه


١ سورة الصافات: الآيات من ٩٩ إلى ١١٢.
٢ من معاني الزمانة: العاهة؛ والمرض يدوم طويلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>